قوله عليه الصلاة والسلام:(من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة ... ) الجهل له مدلولان: جهل ضد العلم، وجهل ضد الحلم، فالجهل ضد العلم هو جهل الإنسان بما لا يعلم ويعلمه غيره، فنحن مثلاً نجهل علوم الفلك، ونجهل علوم الذرة، هذا جهل ضد العلم، وليس كل جهل مذمة، إذا كان في حدود الطاقة، وفي حدود العامة، هذا أمر عادي؛ لأن الناس كلهم لن يكونوا سواء في العلم، وهذا ليس مطلوباً؛ لأن العلم موجود في الأمة في أفرادها، وفي بعض الجماعات، ولكن الجهل أمر نسبي، ولا ينبغي للمسلم أن يكون جاهلاً جهلاً ضد العلم فيما يلزمه من ضروريات الدين، لا يحق لإنسان أن يدعي الجهل بأحكام الصلاة؛ لأنها ضرورية وفرض عين، كذلك لا يصح لإنسان أن يدعي الجهل أو يكون فعلاً جاهلاً بأحكام الصيام أو جاهلاً بأحكام الزكاة، ومعرفة الأنصباء إذا كان من أهلها، وكذلك من أراد أن يحج لا ينبغي له أن يكون جاهلاً بأحكام الحج، هذا من الناحية الدينية، ووجوب طلب العلم لما يلزمه عمله.
والجهل الثاني ضد الحلم، وهو -كما يقولون-: التعدي، الحماقة، إساءة الأدب، انتهاك الحرمات، وقد قال الشاعر الجاهلي: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا الجهل هنا ضد الحلم، ومراده: لا يأتي إنسان يغضب علينا، فإذا غضب علينا إنسان غضبنا عليه أكثر من غضبه، فتكون: المقابلة بالمثل وزيادة، وهذا الجهل هو المراد هنا:(من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل) أي: ضد الحلم، ومنه تسمية ما قبل البعثة بالجاهلية، فكلمة (الجاهلية) ليست جهلاً عن كل علم، فالعرب كانت عندهم علوم الطب، وعلوم النجوم، وعلوم السير.
فهذه أشياء كانوا يعلمونها، ما وصفوا بالجهالة التي ضد العلم، ولكن وصفوا بالجهالة التي ضد الحلم، على أتفه الأسباب تقوم الحروب بينهم، حرب داحس والغبراء كانت على فرسين، وحرب يوم ذي قار، وغير ذلك، كانت العرب في الجاهلية قد تقوم الحرب بينهم على أتفه الأسباب، وهذا من الجهل الذي هو ضد الحلم.
إذاً: فليدع الصائم العمل بالجهل، ولذا في الحديث:(إذا سبه أحد أو شاتمه أحد فليقل: إني صائم) ؛ لأنه إذا رد عليه خرج عن كونه حلم عنه إن جهل عليه، فيكون الجهل مسايرة من يشاتمه، ومن يسبه، ومن يعتدي عليه، لكن إذا انصرف عنه وقال: إني صائم.
ترك الجهل.
أيها الإخوة! هذه الصفات: قول الزور، والعمل به في جميع الشئون، والعمل بالجهالة التي هي ضد الحلم، يجب أن يكون الصائم بعيداً منها، وأن يكون على سعة بال وسعة صدر، وحسن أخلاق؛ ليكون ذلك أدعى لكمال صومه، والله تعالى أعلم.