للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنفاق المرأة من بيت زوجها]

قال المصنف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخادم مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعضٍ شيئاً) متفق عليه] .

هذا من سعة فضل الله سبحانه (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها) لم يقل: هل قال: من مالِ، بل: من طعامِ، فالحديث ينصبُّ على الطعام، والطعام في العرف: ما يطعم سواء كان خبزاً، أو إداماً، أو فاكهةً، أو ما هو أصله للطعام كالتمر والدقيق والحب، فهذا يسمى طعاماً.

ولم يقل: من مال؛ لأن المال عزيز، والإنفاق من الطعام نوع من المشاركة؛ فهو قابل للاشتراك، فلو طبخت قدراً، وغرفت لمسكين منه في صحن، ما نقص ذلك شيء، وإن قل على المجموعة لكن لن يضرهم، لكن لو كان عنده ألف دينار، وأخذت منها ديناراً واحداً ضر على الألف، والدينار معدٌ لنوائب الزمن وللحاجات وللمهمات، لكن الطعام إذا لم يؤكل فسد، ولذا قال: (من طعام بيته) .

وقوله: (غير مفسدة) ، فلو كان الطعام هذا معداً على قدر حاجة زوجها وأولادها، فلا ينبغي لها أن تتصدق منه؛ لأنها ينبغي أن تراعي أهلها أولاً، والمرأة راعية في بيتها ومسئولة عما استرعيت عليه، إلا إذا كان زوجها وأولادها في مستوى الإيثار، ويرضون غيرهم ممن هو أشد حاجةً منهم، كما جاء في الحديث أنه جاء ضيفٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل لزوجاته كلهن: هل عندكن عشاء لهذا الضيف؟ وكل واحدةٍ تعتذر بأنه لا شيء عندي، فقال صلى الله عليه وسلم ( {من يستضيف هذا، وله الجنة) ، الجنة في عشاء ضيف! لكن قد فتشنا تسعة بيوت وما فيها عشاء، وإذا كان الشيء مفقوداً يصير غالياً جداً، لو أن عندك الدنيا بحذافيرها وأنت في صحراء، واشتد بك الجوع، وجاء إنسان عابر سبيل، فقلت له: عندك طعام؟ قال: عندي قرص أقسمه بيني وبينك، فلو قال: بكم تشتريه؟ ستشتريه بدينار، بعشرة، بألف، بل ستقول: بكل ما أملك في بلدي، ومثل ذلك كأس من الماء في الصحراء، يدفع المضطر في شرائه كل ما يملك.

إذاً: قوله: (من يضيف هذا الليلة، وله الجنة؟) هذا الثمن متعادل، وإن كان الجنة لا يثامنها شيء، لكن بحسب التسعير عندنا؛ لأن الشيء المعدوم يبذل فيه الإنسان طاقته وجهده، (فقال رجل: أنا، فأخذ الضيف، وذهب به إلى البيت، ودخل على زوجه، وقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: والله! ما عندي إلا عشاؤك وعشاء العيال، قال: أما العيال فعلليهم حتى يناموا) ، فأخذت تعللهم حتى أخذهم النوم وهم جياع! قال: وأما أنا فعندما تقدمين الطعام وأمد يدي مع الضيف، فتأتين أنتِ، وتعمدين إلى السراج كأنك تصلحينه فتطفئينه، ونبقى في الظلام، فيستمر الضيف على أكله، وأنا أمد يدي معه لتختلط بيده، وأرفعها خالية، وأوفر الطعام للضيف.

انظروا هذه الحيلة يا جماعة! يعملها لماذا؟ هل ليستحل بها الربا؟ هل يخدع مغفلاً؟ لا والله! لكنها حيلة ليحصل على الثمن النفيس! ففعلت المرأة، وشبع الضيف، وبات الرجل والمرأة والعيال بدون طعام، هل هذه ستميتهم؟ هل هذه كل ليلة؟ لا، هي ليلة نادرة يتحملونها، ويصبرون عليها، فكان جزاؤه أن لقيه صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح، وبادره النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: (لقد عجب ربنا من صنيعكما البارحة!) ؛ لأنها -والله- حيلة لطيفة جداً، فهو اتفق معها على هذه الحيلة، ونِعمَ الزوجة الصالحة، فلو كانت غيرها ستقول: لا، أنا ما يخصني عشاؤه، اذهب ابحث له عن عشاء، أنا لا أبيت جائعة، ولا أترك الأولاد يبيتون جائعين، ليس هو أولى من عيالي، هذا قاموس معروف، لكنها امرأة مؤمنة في بيت صالح، فتعاونت مع زوجها على مطلوبه، وباتا طاويين، وبات الضيف شبعان، فعجب ربنا من صنيعهما هذا!