قال رحمه الله:[وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة، فإنها تُطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه} متفق عليه] .
لاحظوا هذا الترتيب! بدأ المؤلف بالترغيب في أطيب الكسب: عمل اليد، البيع المبرور، عمل اليد دخلت فيه الزراعة، ودخلت فيه الصناعة، ودخلت فيه التجارة، لكن لاختصاصها جاء بهذا الوصف: البيع المبرور، ورغب الناس في الكسب الحلال، ثم بدأ بما يتمشى مع العنوان: قال: كتاب البيوع، ثم قال: شروطه -أي: شروط البيع- وما نهي عنه، وأين: ما أمر به؟ لا يوجد لماذا؟ لأن القاعدة عند الفقهاء أن الأصل في الأشياء الإباحة، فكل ما أنبتت الأرض، وأخرجت البحار، وأمطرت السماء، وجاءت به الأشجار.
كل ذلك الأصل فيه الإباحة ما لم يرد الحظر، كما أن الأصل في العبادة الحظر ما لم يأت إذن، فهل تصلي العشاء الآن؟ ممنوع، متى نصلي؟ حينما يأتي الإذن، العشاء نصليها خمس ركعات؟ لا، ممنوع.
كم نصليها؟ على ما جاء به الإذن: أربع، جاء الإذن في الصبح باثنتين، وفي المغرب بثلاث، إذاً: الزيادة محظورة وهكذا فالأصل في الأعيان الإباحة، والأصل في العبادات الحظر.
فلما كان الأصل في الأعيان الإباحة؛ فكل شيء يجوز بيعه، إلا ما جاء النص في تحريمه، إذاً: نحن الآن نحتاج إلى بيان ما يباح بيعه، أو نحتاج إلى بيان ما لا يجوز بيعه؟ نحتاج إلى بيان ما لا يجوز بيعه، ولهذا قال المؤلف: شروطه، وما نهي عنه.
فبدأ بأشد الممنوعات، وذكر لنا جابر رضي الله تعالى عنه تاريخ الرواية: في فتح مكة: حرّم الله بيع الخمر.