[ولـ مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها] .
هذه الرواية الأخيرة فيها زيادة:(على أن يعتملوها) ، أي: ما تحتاجه من نفقات وكرى لعمل زائد الأرض البيضاء تحتاج إلى حراثة تحرث العين تحتاج إلى آلة تنظف الدولاب الذي يعمل عليه تعطل ويحتاج إلى تصليح على من تكون نفقة ما يحتاجه الغرس لمواصلة العمل؟ أهي على العامل أم على صاحب المال؟ فالرواية التي لـ مسلم:(أن يعتملوها من أموالهم) ، فإذا تعطل الدولاب يصلحونه، وإذا انطمست العين يحفرونها، وإذا سقط الجدار يقومونه وإذا احتاجت الأرض البيضاء إلى بذر يشترونه، إلى سماد يسمدونها، وإن احتاجت إلى عدة أشخاص يؤبرونها، وهو وحده لا يستطيع أن يؤبر النخل، ولو بقي على عمله هو فقط ربما فات بعض النخل وقت التأبير وفسد؛ لأن الكافور أول ما ينشق يجب أن يؤبر، إذاً لابد من أيدٍ عاملة تتابع ذلك حتى لا يتفتح الكافور وتظل خمسة إلى عشرة أيام ولم يوضع فيها شيء، كالمرأة إذا جاءتها البويضة ولم تجد البويضة ما يلقحها فسدت وخرجت مع الدورة الشهرية، وهكذا طلع النخلة إذا لم يجد التأبير في إبانه فسد ومضى في طريقه (شيص) .
إذاً: يعملونها من أموالهم، وأهم الأموال في عملها: البذر في الأرض البيضاء، وكل ما من شأنه إصلاح النخل، يمكن أن يقطع جريد ألف نخلة لسنة قادمة؛ لأن النخلة تزيد كل سنة دوراً من الجريد، وتنمو وهكذا، وفي علم النبات الشجرة الكبيرة والدوحة العظيمة علماء النبات يعرفون عمرها بالدوائر والحلقات التي في عين الجذع، لو قطعت الشجرة وجدت في بطنها دوائر، دائرة خلف دائرة خلف دائرة، ويقولون: كل دائرة لها زمن معين من العمر، وكلما مضى عليها زمن زادت دائرة جديدة، وهكذا يقيسون عمرها بتلك الدوائر، كذلك النخلة يقيسون عمرها بطوابق الجريد التي تظهر فيها.
والناس يختلفون في قطع الجريد للنخيل، فبعضهم يقول: ما زاد على حملها.
وبعضهم يقول: لا تقطع من النخل جريدة إلا إذا يبست، وما دامت خضراء فهي عامل من عوامل الجذب للماء من تخوم الأرض إلى أعلاها؛ لأن الجذع الذي على وجه الأرض خشب ولا تستطيع أن تكسره بالفأس، وفي رأس النخلة تجد الجمار تأكله بأسنانك، وتجد الماء، وتجد العسل في الرطبة، من أين جاء هذا؟ إنما جاء من الماء الذي في الأرض، وما الذي رفعه وضخه إلى أعلى؟ ذلك الجريد، وكذلك أوراق الشجر الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي (الكلوروفيل) -كما يسمونه- تجذب الماء إلى أعلى مثل (الموتور) الذي يدفع الماء إلى أعلى العمارة، ولهذا أرباب النخيل لا يقطعون الجريد الأخضر.
إلا أن بعض النخلات -كما يقولون:- يعتريها الجنون أو سن المراهقة، فيخففون من رأسها بأخذ الجريد دور أو دورين لكي تخف قليلاً وتهدأ، ولهم أحوال كثيرة في هذا، ويكتبون عن النخلة الشيء الذي يعجز الإنسان عن تصوره، يقولون: إنها تفرح وتحزن وتخاف وتطرب، وكل ذلك يثبتونه للنخلة، وبعض النخلات إذا طال الزمن وما أثمرت يأتون بالحطب حولها أو القش ويقولون: إذا لم تثمر نحرقها، ويشعلون النار في القش، هم لا يؤذون النخلة بشيء، ويقولون: في السنة القادمة تخاف وتثمر! هذه حالات الله أعلم بشأنها.
فعلى كل أرباب الخبرة كتبوا في النخيل والزراعة كتباً وأشياء عديدة، وأثبتوا النظريات التي قالوها.