[حكم أثر الدم الباقي في الثوب بعد تطهيره]
قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت خولة: يا رسول الله! فإن لم يذهب الدم؟ قال: (يكفيكِ الماء، ولا يضركِ أثره) أخرجه الترمذي وسنده ضعيف] .
هذا السؤال تتمة للموضوع الأول، فإذا حتتنا وقرصنا وغسلنا وبقي اللون -خاصة إذا كان الثوب أبيض؛ فإن البياض قليل الحمل للدنس- فماذا نفعل؟ قال: (يكفيك الماء لا يضركِ أثره) ، فافعلي هذه الأوامر، فالله تعالى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] .
ويذكرون عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا حتّت وقرصت ونضحت ولم يذهب اللون تأتي بالزعفران، وتبله في الماء، وتأخذ ماء الزعفران وتصبه على محل الدم.
قالوا: تريد أن تغير لون النجس بلون الطاهر، ولكن هذا لمن أراد أن يصبغ ثوبه كله بالزعفران، وليس هذا من باب التكليف، فهذا فعلها رضي الله تعالى عنها، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر به.
ويهمنا أنه صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الحت، ثم القرص، ثم غسل الماء، وقال الفقهاء: إذا كان يمكن استعمال الحواد -والحواد: جمع حاد، وهو الشيء الكيماوي الحار الذي يذهب اللون، مثل الصابون، ومثل النخالة، ومثل الدقيق، ومثل الأشنان وغيرها، فكل هذه عوامل تنظيف يعرفها الناس- فإذا لم يذهب الأثر وكان عندك صابون فهل يتعين استعماله تبعاً لهذا التشديد -أي الأمر بالحت والقرص ثم النضح- وهل يعد استعمال الصابون من بذل الجهد, وقد يكون فيه كلفة على المساكين؟ وهل نطالب باستعمال منظف مزيل لا يؤثر على صبغ الثوب ولا على قماشه، أو ليس ذلك بلازم؟ والجواب: يجب أن نستعمل ما يمكن استعماله بدون كلفة، وبدون مشقة، وبدون تأثير على عين الثوب، والله تعالى أعلم.
فجمهور العلماء من السلف والخلف يقولون: إن جميع الدماء نجسة.
وقد جاء عند البخاري وعند مسلم حديث فاطمة بنت قيس في الاستحاضة.
والبخاري ومسلم ذكرا حديثها في كتاب الطهارة والنجاسة ليبينا أن دم الاستحاضة نجس كدم الحيض، أو أن الدم نجس بصفة عامة، ثم أعادا نفس الحديث في باب الحيض والاستحاضة ليستدلا بذلك على أن دم الاستحاضة ملحق بدم الحيض، ودم الاستحاضة دم مسفوح؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلكِ عرق) ، واستدلوا بالآية الكريمة: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:١٤٥] ، فقالوا: جمع في هذه الآية بين تحريم الميتة والدم المسفوح، والميتة نجسة كما تقدم التنبيه على ذلك في حديث ميمونة: (لو أخذتم إهابها فانتفعتم به -أو: فدبغتموه فانتفعتم به؟! - فقالوا: إنها ميتة.
فقولهم: (إنها ميتة)) يستلزم أن الميتة نجسة، فتنجس الإهاب تبعاً للميتة، وأقرهم على هذا الفهم، وأجابهم عنه، وأخبرهم أنه يطهرها الدباغ.
وعلى هذا فالدم المسفوح نجس بدلالة اقترانه بالميتة، ولذلك حرم أكله، وحرم بيعه، وحرمت الاستفادة منه في أي شيء.