قال رحمه الله تعالى:[وعن علي قال: كان لي من رسول الله صلى الله عليه مدخلان، فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح لي.
رواه النسائي وابن ماجة] .
قوله: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان، أي: إذا جئته وهو في حجرة عائشة واستأذنته للدخول، فكان له مدخلان، فعند مدخل يقول: ادخل، إذا لم يكن في الصلاة، وعند مدخل يتنحنح إذا كان في الصلاة، ولا يمكن أن يقول: ادخل، فقد أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، وبعض الناس يمثل النحنحة بصفارة الإنذار، فالتنحنح صوت يخرج من الحلق بدون حروف أو كلمات، فإذا تنحنح المصلي، لم ينطق بكلمة، وإنما أسمع صوتاً أخرجه من الحلق، فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا تنحنح يعرف علي رضي الله تعالى عنه أنه في الصلاة، فيعلم أن الرسول أذن له بالدخول.
والتنحنح في الصلاة لا يبطلها، ولو كان يبطلها ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: هذا في النافلة، أما في الفريضة فلا؛ لأن النحنحة ربما تخرج حرفاً دون قصد، مثل:(أح أح) فيخرج الهمزة والحاء، فقالوا: لا يجوز التنحنح في الفريضة، وقالوا: كان علي رضي الله تعالى عنه لا يذهب يستأذن على رسول الله إلا وهو في بيته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته النافلة، ولو كان في المسجد لم يستأذن عليه علي؛ فإن المسجد بيت الله، وكل الناس يدخلون المسجد بلا استئذان، كما جاء عن الحسن رضي الله تعالى عنه أنه قال:(إذا أردت أن تدخل على ربك بلا استئذان، وتخاطبه بلا ترجمان، فأسبغ وضوءك، واستقبل القبلة، وقم في محرابك، وكبر للصلاة) ، فعندما تدخل المسجد تقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنبي، وافتح لي أبواب رحمتك.
وتدخل وتقوم في محرابك، وتخاطب ربك بلا ترجمان، وكم في الصف الواحد من ألسنة متعددة؟ وكلهم يناجي ربه بلسانه! فحديث علي رضي الله تعالى عنه يدل أن هذا الاستئذان كان في البيت، وهو يصلي النافلة، وهل يجوز ذلك في الفريضة أم لا؟ قيل: في الفريضة لا، والحاجة لا تدعو إلى ذلك في الفريضة، ولكن تدعو إلى ذلك في النافلة في البيت.
ولو قدر أن مريضاً أو خائفاً أو غيرهما ممن تصح له الصلاة في بيته، كان يصلي فرضه فاستأذن عليه إنسان، فهل يتنحنح في الفريضة كما تنحنح رسول الله صلى الله عليه وسلم في النافلة؟ الذين يفرقون بينهما يقولون: النافلة يغفر فيها ما لا يغفر في الفريضة، بدليل أن المسافر يتنفل على راحلته، ويومئ حيث ما توجهت به، بخلاف الفريضة فلابد أن ينزل إلى الأرض ويركع ويسجد وهو على الأرض، ويكون مستقبل القبلة، ففرق بين الفريضة وبين النافلة، والله تعالى أعلم.