الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداًَ طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار) رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان] .
هذا من الأسلوب الرفيع، والبلاغة الواضحة، فيقول صلى الله عليه وسلم:(يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار) ، وإذا كان الغرض عدم منع الناس من الطواف فكان يكفي أن يقول: لا تمنعوا أحداًَ يطوف بهذا البيت، وهذا يؤدي الغرض، لكن قال:(يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى ... ) .
ويقولون: إن السبب هو مخافة أن يأتي بعض الملوك أو بعض الجبابرة أو بعض الأشخاص، فيمنع الناس من المطاف من أجل ذلك الشخص، وهذا كرهه العلماء إلا لمصلحة راجحة، مثل أن يخاف على حياة شخص كما يفعل الآن بعض الأحيان من الاتجاهات السياسية أو الاتجاهات الأمنية، والمصلحة تقتضي ذلك، لا لتعظيمه ولا لتوقيره دون الناس، فالبيت أعظم، لكن ولي الأمر هو المسئول عن ضمان هذه الشخصية التي دخلت الحرم في ضمانه وأمانه وتحت تصريحه بنفسه.
إذاً: قوله: (لا تمنعوا أحداً طاف وصلى) هو على العموم، أي: بمقتضى قيامكم على البيت، لكن قال زيادة على هذا النهي عن منع الطائف والمصلي:(أية ساعة من ليل أو نهار) ، فما حاجة المجيء بهذه الجملة؟ وهي للعموم لا للخصوص؟ الجواب: لأن هناك بعض الأوقات قد نُهي عن الصلاة فيها، فرفع ذلك الحظر، ورفع النهي عن الصلاة في تلك الأوقات من ساعات الليل والنهار، أي: لا تمنعوا أحداً في أي وقت من الأوقات، ولو بعد العصر أو بعد الصبح.
إذاً: مجيء هذه الجملة الأخيرة يستفاد منه أنه قد سبق النهي عن الصلاة في ساعات معينة، واستثنى منها صلاة ركعتي الطواف، وهذا الحديث من أوضح الأدلة على أن صلاة ما سوى ركعتي الطواف لا تجوز، وأما هذه فقد خرجت بنص مستقل، ولماذا؟ يقولون: لأن البيت يأتيه الناس في جميع الأوقات، وقد يأتي الرجل فيطوف ويذهب، وقد يأتي مع جماعة كذلك، فإذا منع الناس من الطواف والصلاة في أوقات معينة، فطاف بعضهم بعد العصر مثلاً وأرادوا أن يسافروا، فهل نحبسهم حتى تغرب الشمس وكل واحد منهم قد طاف ولم يبق عليه إلا الصلاة؟ لا.
إذاً: لجواز الطواف في أية ساعة من ليل أو نهار أبيح للطائف أن يصلي ركعتي الطواف في أي ساعة شاء من ليل أو نهار.