[مداخل مكة التي دخل وخرج منها النبي صلى الله عليه وسلم]
قال المؤلف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها) متفق عليه] .
هذا من مستحبات السفر، أو من مستحبات العمل، ودخوله من أعلاها وخروجه من أسفلها قال بعضهم: كان من أجل النسك، وبعضهم قال: إن هذا صادف موقعها، وهو لم يتحر أعلاها للدخول ولا أسفلها للخروج، وهنا دخل من أعلاها وخرج من أسفلها، ولهذا يقولون، كَداء وكُداء، كَداء هو أعلاها، وكُداء هو أسفلها، والفقهاء يقولون: افتح وادخل واضمم واخرج، والمراد حركة الكاف فقولهم: افتح أي: حركة الفتحة (كَ) ، واضمم أي: بحركة الضمة (كُ) فتقول: كَداء بفتح الكاف وتدخل أي: من أعلاها، وتقول: كُداء بضم الكاف وتخرج أي: من أسفلها.
ومن أي مكان تيسر للإنسان دخول مكة فالحمد لله، وهنا يقول الأدباء: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كرم شعر الدعوة في دخول مكة والخروج منها، وقالوا: لما جاء صلى الله عليه وسلم لفتح مكة أو للحج قالوا: من أين ندخل أو من أين تدخل يا رسول الله؟! أي: لأن مكة لها مدخلان، والمدينة لها مدخل واحد وهو وادي العقيق على سلطانة على سلع على ثنية الوداع -الباب الشامي- وهذا كان مدخل المدينة الوحيد، وأما مكة فلها مدخلان: كَداء من أعلاها، وكُداء من أسفلها، قالوا: من أين ندخل أو من أين تدخل؟ قال:(انظروا ماذا قال حسان؟) أي: في قصيدته التي يرد فيها على أبي سفيان حينما هجا رسول الله وفيها: أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء وفي هذا تنويع، وقد جاء التنويع في نص القرآن قال تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[سبأ:٢٤] .
إلى أن قال حسان رضي الله تعالى عنه: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كَداء أي: الموعد بيننا وبينكم أن ندخل عليكم مكة من كَداء فقال صلى الله عليه وسلم: (انظروا ماذا قال حسان؟ قالوا: حسان يقول: كَداء، قال: إذاً: من هناك) وهذا مما يستشعر المسلم أنه فيه إكرام الشعراء الذين سخروا شعرهم للدعوة، ولفعل الخير، ولذا قال تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ}[الشعراء:٢٢٤] إلى أن قال: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا.
} [الشعراء:٢٢٧] فالشعراء المؤمنون الذين يعملون للدعوة استثناهم الله، وقد كان للرسول شعراء وخطباء في الدعوة وكانوا يمثلون وزارة الإعلام -كما يقال اليوم- لأن وزارة الإعلام في كل دولة هي الناطقة بلسانها، وكان حسان رضي الله تعالى عنه شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هجاه أبو سفيان فقال:(يا رسول الله! أرد عنك وأهجوهم، قال: كيف تهجو قريشاً وأنا منها؟ قال: أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين) فأخذ يهجوهم، فقال صلى الله عليه وسلم:(اهجهم وروح القدس يؤيدك، والله! إن وقع كلامك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام) وهكذا كان العرب إذا هجوا يلحقهم العار بهذا الهجاء وتلصق فيهم السبة على لسان الشاعر الذي هجاهم، ولذا كانوا يتحاشون إغضاب الشعراء، وكان صلى الله عليه وسلم ينصب لـ حسان كرسياً في المسجد ويدعوه إلى نصرة الإسلام بشعره.
وذات مرة مر عليه عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته وهو ينشد شعراً، فنظر إليه مستنكراً، فنظر إليه حسان وقال:(والله! لقد أنشدت فيه وفيه من هو خير منك) يعني: أنشدت الشعر في المسجد والمسجد فيه من هو خير منك وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
فدخل صلى الله عليه وسلم من كَداء، والحديث عن الشاعر الإسلامي حسان رضي الله عنه مدعاة لتكريم كل من سخر آلة إعلام في خدمة الدين، سواءً بقلمه أو بلسانه نثراً أو شعراً، أو بأي وسيلة من وسائل الإعلام، ما دامت تخدم الدين.