قال المؤلف رحمه الله: [وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: (حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أُرى الوجع بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ قلت: لا، قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع) متفق عليه] .
هذا الحديث جاء بروايتين: هذه الرواية المتفق عليها، وفيها قال:(حملت) سواء حمل على الأيدي للمرض، أو أخذ بالقوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(والقمل يتناثر على وجهي) طال عليه الزمن، والمحرم لا يسرح شعره، حتى قال المالكية: لا يقتل القملة، فإذا وجدها أخذها وطرحها في الأرض، وقد أثاروا مناقشة حول قتل القملة، ولا أدري ما هو السبب في ذلك كله، والبعض يقول: لا يرميها فتموت فيكون قد قتل دابة.
سبحان الله! دابة مؤذية كيف يحاسب على قتلها! والبعض يقول: القملة إذا رميت في الأرض تنمو فتصبح عقرباً، والقمل كما يقولون: أشد عنصر ينقل التيفود.
والذي يهمنا أن هذا الرجل القمل كثر في رأسه، ولا يستطيع أن يحلق شعره لأنه محرم، ولا أن يمشط القمل من شعره؛ لأن المشط ينتزع بعض الشعرات، فصبر على حاله.
وفي رواية أخرى:(مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أنفخ على برمة لأصحابي، فإذا به يرى القمل يتناثر من الشعر) .
فالحكم يتعلق في قوله صلى الله عليه وسلم:(ما كنت أُرى) ، (أُرى) و (أرى) كلاهما من الرؤية، ولكن الرؤية البصرية والرؤية الفكرية البصيرية، تقول: أرى هذا حلالاً، أرى هذا حراماً، أرى أن تعمل كذا، فهذه رؤية علمية وليست بصرية، وتقول: أنا أرى اللون أحمر، فهذه رؤية بصرية، و:(أُرى) بمعنى: أظن، أي: ما كنت أظن أنه قد بلغ بك الوجع إلى هذا الحد، وإلا لكنت رخصت لك من قبل، فما دام أنه قد وصل بك إلى هذا الحد فقد أصبح هذا عذراً يباح معه حلق الشعر.