[حمل المصلي للصبي للحاجة]
قال رحمه الله تعالى: [وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
متفق عليه، ولـ مسلم: (وهو يؤم الناس في المسجد) ] .
حديث أمامة بنت زينب -كما يقول ابن دقيق العيد - فيه إشكالات، وأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو جدها، وأبوها أبو العاص بن الربيع زوج زينب، وهو ابن أخت خديجة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخديجة هي التي خطبت زينب لابن أختها، فتزوج ابن خالته.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب أمامة حباً جماً، حتى إنه أتى بقلادة فقال: (لأعطينها لأحب أهلي إلي) فقالوا: لمن يعطيها؟ فقال بعضهم: مَنْ غير الصديقة بنت الصديق؟ فإذا به صلى الله عليه وسلم يدعو بـ أمامة فألبسها إياها.
وفي هذا الحديث أنها تعلقت به صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فمتى كان هذا، وفي أي صلاة؟ أكثر الروايات على أنها في صلاة الظهر أو العصر في المدينة، وبعض الناس يقول: كان هذا قبل الهجرة عند إباحة الكلام وإباحة الحركة.
لكن واقع التاريخ يرده؛ فـ زينب رضي الله تعالى عنها أُسر زوجها أبو العاص يوم بدر، ولما جاء فكاك الأسارى، أرسلت زينب رضي الله عنها بقلادة لها لتفدي زوجها، وتلك القلادة كانت لـ خديجة رضي الله تعالى عنها، وقد أهدتها إليها ليلة زواجها بابن أختها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القلادة ذكرته بـ خديجة، وأخذته العاطفة، فقال لأصحابه: (إن رأيتم أن تردوا إليها قلادتها وأسيرها فعلتم) ، فقال: (إن رأيتم) ، ولم يلزم؛ لأن الأسارى حق للمقاتلين، وهو صلى الله عليه وسلم لا يبطل حقاً لحق آخر، وقد روي أن العباس لما أخذ أسيراً يوم بدر قال الأنصار: ائذن لنا -يا رسول الله- أن نفكه بلا فداء.
فقال: (لا؛ والله، ولا درهماً واحداً) ، وقد كان قادراً على أن يدفع الفداء.
فرد المسلمون لـ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادتها، وأطلقوا العاص بن الربيع، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسل إليَّ ابنتي زينب) ، فقال: سأرسلها إليك، وأرسل صلى الله عليه وسلم رجلين ينتظرانها في التنعيم، فجاءت إليهما، وردوها إلى المدينة، وكانت أمامة معها.
فـ زينب ما جاءت بـ أمامة معها إلا بعد الهجرة.
فهذا العمل كان بعد النهي عن الكلام، وبعد أن منعت الحركة في الصلاة، فكيف يحمل طفلة معه؟ وكيف تحرك هذه الحركات؟ ثم من ناحية أخرى تلك طفلة ليست بالغة، وليست في حد التمييز، فكيف حملها مع أنه لا يؤمن أن يحدث منها شيء ينزل على رسول الله وهو يصلي؟ فالإشكالات متعددة.
فمن العلماء من يقول: إن هذا الأمر قد نسخ بالأمر بالسكوت والنهي عن الكلام.
لكن قيل: كيف ينسخ قبل أن يقع؟ لأنه وقع في المدينة، وقيل: إن هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، فالله أعلمه أن أمامة لن تحدث شيئاً حتى تنتهي الصلاة، لكن قال قوم آخرون: الخصوصيات تحتاج إلى دليل.
وأشكل على الشافعية وغيرهم الحركة إذا سجد، وإذا قام وهو حاملها، والحركات المتوالية تبطل الصلاة، فعندهم ثلاث حركات متواليات تبطل الصلاة، فأجاب بعضهم بأن أمامة كانت تتعلق هي برسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنها جاءته وهو ساجد، فلما أراد القيام تعلقت به وهو لم يحملها، فلما أراد أن يسجد وضعها، فكانت منه حركة واحدة في كل ركعة.
وأجيب عن ذلك بأنه جاء في رواية: (كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، فخرج علينا حاملاً أمامة بنت زينب، فصف وصففنا وراءه وصلى بنا) ، فهي لم تتعلق به، بل هو الذي أتى يحملها معه من البيت، فهو الذي يضعها، وهو الذي يحملها.
وقال بعض العلماء: هذه حالة لضرورة، إذ لم يجد من يكفيه مؤنة حفظها ورعايتها في البيت، وهو جدها وولي أمرها، فاضطر أن يحافظ عليها، فحملها معه وأتى بهذه الحركات، والضرورة مبيحة للمحظور.
يقول ابن دقيق العيد رحمه الله: كل ذلك يمكن أن يرد، وليس لنا إلا التسليم لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلو كان واحد منا عنده طفلة فهل هي كـ أمامة بنت زينب؟ أي: هل له أن يعاملها معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أمامة بنت زينب؟ وهل فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أو بغيرها مرة أخرى؟ الجواب أنه حدث مع الحسن والحسين في البيت، فقد سجد صلى الله عليه وسلم وجاء الحسن وامتطى ظهره، وانتظر صلى الله عليه وسلم ساجداً حتى نزل، فقالوا: ما هذا يا رسول الله؟! قال: (إن ابني قد ارتحلني -يعني: اعتبرني راحلة له- فكرهت أن أعجله عن حاجته) ، لكن في الفريضة لم يأت هذا.
وأما هل جاء عن أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، أو عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل مثل ذلك فأنا لم أقف على شيء من هذا.
فلم يبق عندنا إلا وجه واحد، وهو أنه من كان معه طفل، وكانت هناك حاجة ماسة لحمله، واقتضت الضرورة أن يحفظه، ولو تركه لذهب يميناً ويساراً، وربما خرج من باب المسجد إلى الشوارع وهي مليئة بالسيارات فحينئذ له أن يحمله في صلاته.
وقد قال بعض العلماء: ورد النهي عن استصحاب الصغار إلى المساجد، فكيف جاء بـ أمامة بنفسه؟ قالوا: نعم، ينبغي أن تصان المساجد عن الصبيان والمجانين، فلا تأتي وتترك الصبي يلعب في المسجد.
ولقد شاهدنا أطفالاً صغاراً لا يعرفون شيئاً، وأهلهم يأتون بهم ويتركونهم، فيجعلون المسجد ملعباً.
فيمنع الأطفال من اللعب في المساجد، أما إذا جاء رجل ولزم طفله فلا مانع، لكن أن يأتي به ويتركه يعبث بالمصاحف، أو يلعب، أو يؤذي الآخرين، أو يصيح ويبكي، فهذا يمنع.
وعلى هذا لو أن الإنسان كان في حالة اضطرار، وليس عنده في البيت أحد، وعنده ولد وليس عنده من يرعاه، فإن تركه وأغلق الباب خاف عليه أن يحدث شيئاً، فله أن يأخذه معه إلى المسجد.
وإذا جاء إلى المسجد فهو أمام أحد أمرين، إما أن يقبضه بيده، وإما أن يتركه عرضة للخطر.
فنقول له: عامله كمعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أمامة.
بقيت مسألة الاحتراز من نجاسة الطفل، فبعضهم قال: إن من خصوصيته صلى الله عليه وسلم أن الله أعلمه بأنها لن تحدث شيئاً، ولن تفسد صلاته.
وبعضهم يقول: إن ثياب الأطفال محمولة على الطهارة ما لم تشاهد فيها النجاسة.
وبعضهم قال: كان من عادة أهل المدينة أن ينظفوا الأطفال في أوقات معينة، فلعله حمل أمامة بعد تنظيفها، وقد ذكروا أشياء كلها للاحتراز من أن يوجد شيء يعارض الصلاة.
والواجب على الأم وعلى الأب، وعلى كل من يصحب طفلاً معه إلى المسجد أن يحتاط مع هذا الطفل فيما لو أحدث شيئاً، حتى لا يلوث المسجد، فالطفل ليس بعاقل، وليس له تمييز، فقد يحدث منه ما يحدث، فينجس المسجد، أو ينجس ملابس الأم فيفسد عليها صلاتها، فإذا ألبسه الحافظة وأدله المسجد للضرورة فلا بأس.
وقد عقدت لجان لمعالجة هذه القضية، حتى إنه في بعض الاجتماعات اقترح مدير الشرطة أن تجعل استراحات على أبواب المساجد، فكل أم تجيء بطفلها تضعه في الاستراحة، وبعد أن تنتهي من الصلاة تأخذ طفلها وتذهب.
ولكن أي أم ستترك طفلها في الاستراحة؟ وأي أم ستضمن راحة ولدها فيها؟ ، فكان هذا حلاً غير عملي.
ولكن الحل العملي هو ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة أمامة بنت زينب.
وقد يقال: لماذا نسبها الراوي إلى أمها فقال: أمامة بنت زينب، ولماذا لم ينسبها إلى أبيها؟ والجواب: ذلك لبيان عاطفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فـ أمامة هي بنت زينب بنت رسول الله فهو جدها، وهو مسئول عنها، أما لو قال: أمامة بنت أبي العاص فإنه سيقال: من هو أبو العاص؟ فيطول الشرح حتى نعلم أنها بنت زينب بنت رسول الله، فاختصاراً قال: بنت زينب.
ومن النسبة إلى الأم ما تذكره كتب الأدب أن محمد بن الحنفية والحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما كانا أخوان لأب، فأبوهما علي، ومحمد أمه من بني حنيفة، والحسن أمه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فذكروا أنهما خرجا إلى السوق، وكان بينهما ما قد يقع بين الإخوان في الأسواق، فرجعا متغاضبين، وذهب كل إلى بيته، فإذا بـ محمد رضي الله تعالى عنه يأخذ قصاصة من الورق ويكتب فيها: (من محمد بن الحنفية -ولم يقل: ابن علي - إلى الحسن بن فاطمة بنت رسول الله -وانظر إلى هذا! فقد أبرز نسب الحسن إلى رسول الله تكريماً للحسن، وليبني عليه ما يأتي بعده- قال: أما بعد: فقد علمت ما كان بيني وبينك، ولقد هممت أن آتيك إلى بيتك لأستسمحك وأسترضيك، ولكن كرهت أن يكون لي فضل السبق عليك وأنت ابن بنت رسول الله -يعني: أنا ابن الحنفية، أبي وأبوك واحد، لكن أمينا مختلفتان، فلا ينبغي أن يكون لي فضل عليك- قال: فإذا وصلك كتابي فخذ عليك ثيابك، وشد نعليك، وائتني في البيت؛ ليكون لك الفضل عليّ.
فانظر كيف كانوا يؤثرون على أنفسهم حتى في مكارم الأخلاق! وهكذا أبرز نسبة الحسن إلى رس