للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سؤال العافية للأحياء والأموات]

من السلام الذي كان يعلمهم إياه (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ثم يدعو ويقول: (نسأل الله لنا ولكم العافية) .

وقوله: (لنا ولكم) يقول العلماء: ينبغي للداعي أن يقدم نفسه ثم يعطف الآخرين، كما قال نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح:٢٨] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [محمد:١٩] .

(ونسأل الله لنا ولكم العافية) العافية -كما يقال في عرف الناس- الصحة، وضدها السقم، والعافية من كل سوء: السلامة منه، والمعافاة كذلك، وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها حينما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر، واختلف الناس فيها: (التمسوها في العشر الأواخر) قالت: (ماذا أقول إن أنا صادفتها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) السؤال هو: اعف عني، وما قبله مقدمة ووسيلة، أي: أنت يا ربِّ تحب العفو، أنت يا رب عفو، بصفتك عفو وبكونك تحب العفو اعف عني، فتقديم: (إنك عفو) و (تحب العفو) توسل بصفات الله وأفعاله لما تريد أن تطلب، وهو معنى قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] يعني: تخير لمسألتك من الأسماء الحسنى ما يناسبها، فإذا كنت تطلب العفو سل الله باسمه العفو، وإذا كنت تطلب الرزق؛ فاسأل الله باسمه الرزاق، أو تطلب المغفرة أو غفران الذنوب، فاسأل الله باسمه الغفار.

وهكذا.

فهنا نجد أحب سائل إلى رسول الله وهي عائشة، وهي تسأل عن أعظم شيء محبوب للمسلم، ويأتيها الجواب من أحب خلق الله إليها، أنه: طلب العفو.

إذاً: طلب العفو أحب ما يكون وأفضل ما يكون في هذا المقام، ويقول بعض العلماء: تأملت هذا على الإيجاز، فوجدت من عافاه الله في الدنيا في بدنه، كان سالماً من مصائب الدنيا، وكان مرتاحاً من العذاب ومن الحساب ومن المناقشة يوم القيامة، وهذا هو الفوز العظيم.

إذاً: السعادة كل السعادة تأتي تحت عنوان العفو والعافية، فقال: (نسأل الله لنا ولكم العافية) والعافية أي: مما ينال بعض أهل القبور العافية مما ينال بعض أهل الموقف العافية مما ينال بعض الناس على الصراط، عند الميزان، عند الحوض.

إلخ.