للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب قنوت النبي صلى الله عليه وسلم على أحياء من العرب]

يتفق الجميع بأن سبب مشروعية القنوت في النازلة التي قنت فيها صلى الله عليه وسلم شهراً في الصلاة: أنه كان يدعو على أقوام، وتاريخ هذا القنوت وتلك النازلة بعد غزوة أحد بأربعة أشهر، وهي حادثة القراء، عندما جاء رجل من قبل نجد وعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فلم يقبله ولم يبعد، ثم قال: يا رسول الله! لو أرسلت رجالاً قبل نجد يدعون إلى ما تدعو إليه لعلهم يجيبونك، قال: (أخشى عليهم أهل نجد؟ قال: أنا كافل لهم) ، فتخير صلى الله عليه وسلم أربعين رجلاً من القراء، وليس معنى القراء: أصحاب التجويد المحترفين القراءة، لكن كان يقال لطلبة العلم ولحملة كتاب الله قراء؛ فأرسل صلى الله عليه وسلم أربعين بإمرة رجل منهم، فلما جاءوا إلى بئر معونة قدموا خطاباً لـ أبي الطفيل، فلما رأى الخطاب وقبل أن يقرأه قتل هذا الصحابي، ثم استعان على الرفقة البقية بجماعته فأبوا عليه، وقالوا: قد أعطينا فلاناً عهداً في حفظهم يعنون الصحابة، فاستعان برعل وذكوان وعصية، فأجابوه، وكان القوم في مقيلهم، فإذا بهؤلاء الناس يحيطون بهم، فتناولوا سيوفهم وقاتلوا حتى قتلوا جميعاً، ما عدا رعيان الإبل ورجل كان ضمن الجرحى، فالرعيان رءوا الطيور تحوم حول المكان؟ فقالوا: ما حامت هذه الطيور إلا على شيء، فجاء اثنان ووجد أصحابهم على تلك الحالة، فقال واحد: نرجع إلى رسول الله نخبره، وقال الآخر: والله ما أذهب وأترك أصحابي، بل أموت على ما ماتوا عليه، وأخذ يقاتل القوم حتى قتل، والثاني أخذ أسيراً، والذي كان في الجرحى حسبوه من القتلى، ففي الليل تحامل على نفسه وجاء وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أخبر رسول الله حزن حزناً شديداً -كما في رواية البخاري رحمه الله- ثم أخذ يدعو عليهم.

وتعددت الروايات في هذا، فمنهم من يقول: (في الصلوات الخمس) ، ومنهم من يقول: (في المغرب والفجر) ومنهم من يقول: (في الفجر فقط) ، فنجد الروايات متعددة في موضع قنوت تلك النازلة.

إذاً: مبدئياً سبب وتاريخ مشروعية القنوت كان بعد أحد بأربعة أشهر، وبسبب مقتل القراء، فحزن عليهم صلى الله عليه وسلم، وأخذ يدعو على الذين قتلوهم.

وحديث أنس هذا أول حديث يورده المؤلف، وفي هذا لفت نظر طيب جداً؛ فبدأ بحديث بدء المشروعية، وعرفنا متى وجد القنوت ولأي سبب، ومما يتعلق بعلم الحديث: أن لفظ الحديث هنا يدعو على أحياء من العرب، وأحياء فيها عموم وخصوص عام من جهة عموم أفراد الحي، وخاص من جهة أنه ليس على العرب جميعاً.