وهنا يسوق المؤلف حديث معاذ رضي الله عنه رداً على الإمام أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه يقول بمنع الجمع مطلقاً لا تقديم ولا تأخير، فإن قيل له: وهذه النصوص ما تعمل بها؟ قال: إنما كان جمعاً صورياً.
معاذ رضي الله عنه لم يقل: أخر وقدم، أو: صلى في آخر هذه وأول هذه بل قال: (صلى الظهر والعصر جميعاً) وجميعاً تدل على أنهما مجموعتين في وقت إحداهما، وهذا هو الظاهر.
وهنا يقال: بم استدل الإمام أبو حنيفة رحمه الله على منع الجمع مطلقاً وحمل الحديث على الجمع الصوري؟ يقول الأحناف: الأصل في الصلوات الخمس أن تصلى في أوقاتها: (أفضل الأعمال إلى الله: إيمان بالله، والصلاة على وقتها) ، وقال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}[النساء:١٠٣] .
وجبريل عليه السلام نزل وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات في أوقاتها، والأعرابي الذي جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلاة فقال له:(صل معنا اليوم وغداً) ، وصلى، فأوقع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس في اليوم الأول على أول وقتها، وأوقع الصلوات الخمس في اليوم الثاني على آخر وقتها، إلا المغرب صلاه في اليوم الثاني في الوقت الذي صلاه في اليوم الأول، ثم قال: أين السائل عن أوقات الصلاة؟ قال: هأنذا يا رسول الله، قال:(ما بين هذين وقت) يعني: جعل كل صلاة في وقتها، وبيَّن المسافة بين أول الوقت وآخره.
فقالوا: هذه أمور قطعية بإجماع الأمة، فالخروج عنها يحتاج إلى قطعي مثله، وهذه الأحاديث كحديث معاذ وغيره أحاديث آحاد، ولا يمكن ترك القطعي إلى الآحاد.
واستدلوا بقول عبد الله بن مسعود وهو أكثر الناس تمسكاً بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً؛ فقد جاء عنه عند بعض أصحاب الحديث:(والذي يحلف به ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة لغير وقتها إلا الظهر والعصر في عرفات، والمغرب والعشاء في جمع، والصبح صلاّه في أول وقته) فأخذوا بهذا الحديث، وقالوا: هذا يحلف أنه صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاة في غير وقتها، وأنتم تقولون: قدموا وأخروا.