ومما ينبغي أن نتعلمه، ما يحدث لإخواننا وأبنائنا الجنود في الميادين، فهناك من يكون في خندقه أو دبابته أو آليته أو في مخفر يرقب العدو مستتراً، وجاء وقت الصلاة، إن خرج من الخندق انكشف للعدو، وإن أراد أن يصلي لا يستطيع أن ينهض قائماً، ماذا يفعل؟ هل يمكن العدو من نفسه ويدل العدو على جنده وجيشه أو يُصلي على الحالة التي هو عليها على الحالة التي هو عليها؟ ولو قُدر أنه في ذلك المكان لا يجد ماء يتوضأ: سقط عنه الوضوء بالماء وتيمم بالتراب في الخندق، ولو كان في مصفحته أو آليته ولا ماء عنده، والماء الذي عنده للشرب، ولا يجوز أن يتوضأ به ويعطش، يبقيه، وإن كان ليس عنده ما يتيمم به يصلي على حالته وهو في كرسيه أو عليه رباط أو على أي حالة من حالاته إنسان خائف وجاء واستتر وراء حجر خائف من حيوان، أو إنسان يتتبعه قطّاع طريق أو لصوص أو عدو.
إلخ، إن قام يصلي قائماً انكشف، فله إن يبقى في مكانه ويصلي على حالته، إنسان يُطارد العدو في معركة الكر والفر، ونحن نعلم جميعاً: أن صلاة الخوف في القتال إن لم توجد مسايفة فهي كر وفر، فهم يصلون في مواضعهم في حالة طبيعية، لكن إذا كانت الحركة قائمة، والدبابات تمشي، والمصفحات والمشاة وو إلى آخره، هل عليه استقبال القبلة؟ هل عليه ركوع وسجود ويركع ويسجد والعدو وراءه؟ لا، بل يصلي وهو على حالته، كيف يصلي؟ يغمض عينيه، ويستحضر في قلبه تكبيرة الإحرام، وينطقها: الله أكبر، ويده على الزناد، والحمد لله رب العالمين، وهكذا يطارد العدو أو من أمامه ويقول: الله أكبر، على هيئة الركوع، ويستحضر معنى الركوع في ذهنه، وبعد ذلك: سمع الله لمن حمده، وهو يجري ويركض، وهكذا في حالة الخوف يفعل هذه الحالة، سواء كان يطرد فريسة له أو كان مطروداً من غيره يخاف منه.
وهكذا صلاة أهل الأعذار، الأصل في الصلاة القيام، ولكن إذا طرأ على الإنسان عذر فإنه يسقط عنه القيام، وينتقل إلى غيره، وهناك حالة: ربما بعض الناس يطرأ له مرض وعذر يبيح له الصلاة قاعداً، أو يُجهد نفسه ويكلفها ويتحمل فوق طاقته فيقف قليلاً ثم يسقط، أو يزيد عليه الألم فيمتنع من قبول الرخصة، ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه حينما أصيبت عينه، جاءه طبيب يهودي أو نصراني وقال له: أستطيع أن أعالجك وأتوقع لك البرء إن مكنتني منك أسبوعاً لا تجلس وتكون مستلقياً على ظهرك، فـ ابن عباس فكر في الصلاة، وسأل أم المؤمنين عائشة وأبا هريرة رضي الله تعالى عنهم: هل يجيب الطبيب لذلك أم لا؟ فقالا له: إذا أتاك الموت وأنت في الأيام السبعة هذه ماذا تفعل في صلاتك؟ فامتنع، نقول: ابن عباس حبر الأمة، ولكنه تورع من أن يترك القيام لأمر شخصي، ويعتذرون عن ذلك بأن الذي أخبره ليس بطبيب مسلم مؤتمن، ولعله لكون الطبيب غير مسلم لم يثق بكلامه، فلم يقبل منه، فبعضهم يقول: لعله طبيب واحد، مع أن الفقهاء يتفقون في باب الجنايات لو أن طبيباً واحداً ولو غير مسلم قدّر جناية في جراح يُقبل قوله، ويقولون: بأن الطب مهنة إنسانية لا دينية ولا سياسية ولا إقليمية؛ لأن موضوع الطب هو الإنسان، والإنسان من حيث هو هيكل بشري لا أثر للهيكلية في أمر الدين ولا السياسة ولا الموطن ولا ولا إلى آخره، ولو جئت بأسير حرب أو عبد أو بأضعف خلق الله وأعلى إنسان على وجه الأرض ما اختلف تركيبه الجسماني، إذاً: الطب مهنة إنسانية، يؤخذ بقول من عرف الأمانة فيها.
وعلى هذا لو أن إنساناً جاء إلى المستشفى وقيل له: يلزمك عملية، هل يسأل: العملية كم يوم، وكيف أصلي؟ نحن لا نعلم، الطبيب يقول: اسأل العلماء، أنا عليّ أن أجري العملية، وأنت عن صلاتك اسأل العلماء، فقال العلماء: نعم، إذا عملت العملية صلِّ وأنت جالس إن استطعت؛ فإن لم تستطع فعلى جنبك، وإن لم تستطع فمستلقياً وو إلى آخره، أعتقد أن هذا هو الإنصاف، وهو من حق بدنك عليك، (إن لبدنك عليك حقاً) فيقبل الرخصة كما أخبر صلى الله عليه وسلم (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك وإلا فأومئ) ، وبالله تعالى التوفيق.