[الزكاة تطهير للمزكي والآخذ]
إن مبحث الزكاة ونظامه بكل جوانبه لهو من أهم مباحث الأموال في الإسلام، والمتأمل لنصوص الشرع في هذا العمل يجد الشمول والترتيب في أدق ما يكون، والزكاة ركن من أركان الإسلام، وكما قال الصديق رضي الله تعالى عنه: (الصلاة حق الله، وعبادة البدن، والزكاة حق المال، وعبادة الأموال) وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الأموال الزكوية، وبيّن صلوات الله وسلامه عليه الأنصبة فيها وما يخرج منها وإلى من تؤدى.
والبحث في الزكاة يكون في: مشروعيتها، وحكمتها، وأنواع الأموال التي تزكى، والمقادير التي تخرج منها، والجهات التي تعطاها، وحكم من امتنع عنها.
والله سبحانه وتعالى فرض الزكاة، وأشار القرآن الكريم إلى نوع من الحكمة الجامعة في فرضيتها، فقال سبحانه مخاطباً لرسوله صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:١٠٣] فجعل المولى سبحانه إخراج الزكاة مصلحة للطرفين: للدافع وللآخذ، وفيها الحكمة المزدوجة: تطهير وتزكية.
أما (تطهرهم) فيقول العلماء: تطهر الفقراء من أمراض النفس الداخلية كالحقد والحسد؛ لأن المسكين إذا وجد المال في يد الغني يستكثر به عليه، ولا يصيب منه شيئاً، فإنه يشتد غيظه عليه، وحسده له على ما بين يديه، فإذا أعطي من هذا المال حصته التي أشار إليها قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤-٢٥] ذهب عنه ذاك الحقد وذاك الحسد.
وكذلك الغني عندما يخرج من ماله زكاته ينبغي أن يعلم بأن الزكاة لا تنقص المال ولكن تزكيه، والزكاة بمعنى: النماء والزيادة.
(ما نقص مال من صدقة) ، بل الصدقة تنمي المال وتزكيه: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:٣٩] أي: تتضاعف أموالهم وتتزايد بسبب الصدقة.
وقد بيّن المولى سبحانه إلى أي حد تتضاعف الصدقات، وأجرها إلى سبعمائة ضعف وزيادة، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:٢٦١] ومعلوم: أن (٧×١٠٠ =٧٠٠) {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٦١] .
وبين صلى الله عليه وسلم موجب تلك المضاعفة عندما قال صلوات الله وسلامه عليه: (سبق درهم مائة ألف درهم.
قالوا: يا رسول الله! وكيف يكون هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: رجل عنده درهمان فتصدق بأحدهما، ورجل عنده مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف وتصدق بها) ، وهذا في ميزان الحساب والعقل أن صاحب الدرهمين تصدق بنصف ما يملك، وصاحب المال الكثير تصدق بطرف مما يملك، ثم الذي تصدق بمائة ألف بقي في يده الشيء الكثير، والذي تصدق بدرهم لم يبق معه إلا درهم، وهذا فرق بعيد.