[القول بسنية الوتر عن علي بن أبي طالب]
قال المؤلف: [وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الترمذي وحسنه، والنسائي والحاكم وصححه] .
انظروا الأسلوب يا جماعة! فرق بين لفظ: (الوتر ليس بحتم) ، وبين لفظ: (ليس الوتر بحتم) ، فالتقديم والتأخير له سر بلاغي؛ لأن علياً رضي الله تعالى عنه يريد أن ينفي الحتمية، لا يريد أن ينفي الوتر، فلما ذكر المؤلف حديث أبي أيوب: (الوتر حق ... ) وفيه ابتداء إيجاب الوتر، أعقبه بحديث علي بنقيض هذا الإيجاب: (ليس) ، فيكون أول ما يطرق السمع في هذا الموضوع عن علي هو عامل النفي؛ ليرد حالاً عامل الإيجاب في حديث أبي أيوب سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً: (ليس الوتر بحتم) الحتم: الواجب، وأمر حتم محتم بمعنى واجب، فـ علي يقول: (ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة) يعني: نزل عن مستوى المكتوبة، فهل يكون نزوله مجرد زحزحته عن الوجوب أم ألغي بالكلية؟ إذاً: كلام علي هنا زحزحته عن مرتبة الوجوب إلى ما يليها.
قال: (ولكن سنة سنها رسول الله) هذا استدراك حتى لا يظن إنسان أنه غير موجود فقال: (ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذاً: سنة رسول الله قريبة من الواجب الحتمي، ولكن هنا ليست بذلك.
وقد تعرضنا مراراً إلى أن السنة قد تأتي بالواجب في الأوامر والمنهيات، وتستقل بذلك، وإن كانت السنة إنما هي بالدرجة الأولى لبيان ما نزل إليه، وقد وجدنا في السنة المطهرة تحريم الجمع بين المرأة وخالتها، والمرأة وعمتها، وهذا تحريم، والتحريم ليس بهين، وقد قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:٢٣] لم يقل: الخالة ولا العمة، ولكن بمقتضى نص النبي صلى الله عليه وسلم يحرم الجمع بينهن، اللهم إلا الشيعة فإنهم لا يأخذون بذلك، ولا يهمنا هذا، وعلى هذا نهى صلى الله عليه وسلم، ونهيه فيما يتعلق بالتحريم قطعي وليس في ذلك شك.
فقد تأتي السنة بالفرض وبالمحرم وبالمكروه والمندوب والمباح على أحكام التكليف الخمسة.
وقوله: (سنة سنها رسول الله) ؛ هذا اصطلاح فقهي أصولي في زمن علي رضي الله تعالى عنه، وليس أمراً جديداً جاء به علماء الأصول، فهناك فرض وهناك سنة وهناك مندوب وهذا موجود يتكلم به علي، وقد جاء الحديث الصحيح عنه صلوات الله وسلامه عليه بذلك، جاء في قيام رمضان حيث قال: (إن الله افترض عليكم صيامه، وأنا سننت لكم قيامه) ، فهو صلى الله عليه وسلم بجانب فرض الصيام سن القيام.
وهل للمسلم اختيار في أن يأخذ بسنة رسول الله أو لا يأخذ؟ لا.
الواجب على المسلم أن يحرص على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من فرط في السنة ربما يأتي التفريط ويسحب إلى الواجب، فإذا ما حافظ على السنة النبوية كان أحرى أن يحافظ على الواجب، وهنا قد تأتي السنة وتترك الخيار للمكلف فتكون للندب، فيكون الأمر فيها أهون من غيرها، كما جاء: (صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء) فهنا سنها وترك المشيئة والخيار للناس، وليست كالوتر.
ويدل أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق) بعد أن صرف عن الوجوب على أن الوتر آكد من غيره من النوافل الأخرى، وتقدم لنا حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (ما كان صلى الله عليه وسلم أشد تحرياً للنوافل من ركعتي الفجر والوتر) .
ثم تأتي النصوص الأخرى: (يا أهل القرآن! أوتروا، فمن لم يوتر فليس منا) وهذه أحاديث الوعيد التي ينقسم العلماء عندها إلى فريقين: فريق يقول بالوجوب، فإن قوله (ليس منا) وعيد شديد، والآخرون يقولون: أحاديث الوعيد تمرر كما جاءت ولا تفصل؛ لأنها كلما أبقيت على إجمالها كانت أشد في الوعيد والزجر.