[مسح الحصى عن الوجه في الصلاة]
قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه) ، رواه الخمسة بإسناد صحيح، وزاد أحمد: (واحدة أو دع) ] .
هذا الحكم -أيضاً- يدور في فلك الخشوع أثناء الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى؛ فإن الرحمة تواجهه) ، فما علاقة مسح الحصى بمواجهة الرحمة؟ قالوا: لأن الإنسان في صلاته مقبل على الله سبحانه بمناجاته، مستحضر عظمة الله، مستحضر من يخاطب، ومقابل ذلك أن يكون الرحمات تواجهه، فإذا ما أخذ يمسح الحصى فكأنه انصرف عن مصدر الرحمات فانقطعت عنه.
ولكن قد تكون ضرورة، وبعضهم يقول: لا تمسح الحصى، واسجد على ما أمامك؛ لأن الحصى الذي يواجهك يحب أن تسجد عليه.
ويقولون: إن الحصاة التي يخرجها الإنسان من المسجد تخاصمه يوم القيامة، فتقول: لمَ أخرجتني من محل العبادات إلى محل القاذورات؟ ومن هنا يقول بعض العلماء: لا يجوز رمي الجمار بجمار تلتقط من المسجد؛ لأن الحصى التي في المسجد تستقر وتطمئن وتصغي وتدرك العبادة التي تسمعها، فهي تستأنس بها.
وجاء في هذا شاهد العيان الذي شهده آلاف الناس، في المسجد النبوي الشريف حينما كان صلى الله عليه وسلم يخطب متكئاً على جدع نخلة، فصُنع المنبر، فأول ما تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنبر حن الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مستأنساً مستشعراً لعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمة ما يُلقى من قوله، والله سبحانه قادر على أن يجعل في الجماد حساً، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:٤٤] ، فهو نوع من التسبيح لا تدركونه، بل هو فوق حواسكم وفلا تفقهونه، فيحن الجذع ويسمع حنينه كل من في المسجد كحنين العُشراء، والناقة العشراء يكون في حنينها نوع من اللطف أو العاطفة حتى نزل صلى الله عليه وسلم عن المنبر وضم الجذع فسكن، ثم خيره فقال: (إن شئت أخذتك وغرستك فأورقت وأينعت وأثمرت -يعني: ترجع إلى شبابك- وإن شئت: صبرت، وكنت من غرس الجنة) ، فانظر إلى قدرة الله تعالى، حيث خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الجماد، لكن الله جعل هذا الجماد يدرك الخطاب والجواب، فقال (أكون من غرس الجنة) .
فهذا الجدع تأثر بمدة قيام الرسول صلى الله عليه وسلم متكئاً عليه سبع سنوات؛ لأن المنبر صنع في السنة الثامنة، فلما تحول عنه افتقده.
لذا قالوا: من المعاني في النهي عن مسح الحصى أنها تحب أن تسجد عليها، وتشاركك في السجود، وكذلك ما جاء في النهي عن كفت الشعر، فقد جاء عن بعض السلف: إن الشعر يحب أن يسجد معك.
أو قال: أطلقه ليسجد معك.
أي: كما يسجد الوجه على الجبهة، فكذلك الشعر الذي في الرأس -في الجمة- يسجد مع صاحبه.
ويهمنا هنا أنه صلى الله عليه وسلم نهى المصلي أن يمسح الحصى، اللهم إلا إذا كان شيئاً لا يستطيع أن يمكن جبهته منه، فهناك نوع من الحصى المصنوع المكسر مثل أطراف المسامير والإبر، فيصعب السجود عليه، فإن استطاع أن يسويه بحيث يمكن أن يسجد عليه فذاك، وإلا أزاله، أما إذا كان رملاً، أو كانت صخرة، أو كان شيئاً أملساً يمكن أن يسجد عليه فلا حاجة لمسحه وإزالته، كما قال أبو الدرداء، أو أبو ذر: لأن أدع ذلك خير لي من الدنيا وما فيها.
وإذا كان هذا في النهي عن مسح الحصى فكيف بالذي ينظر في الساعة، ويضبطها، ويفعل غير ذلك، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يكفت الرجل ثوبه في الصلاة، فأين الخشوع عند هذا الصنف؟! وأين إدراك ما يُقرأ؟ فهذا حاله كما قال صلى الله عليه وسلم: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) ، ولن يتذوق إنسان طعم الصلاة وحلاوة المناجاة إلا إذا كان الخشوع متوافراً، وإلا كان كمريض يشرب الشهد فلا يشعر بطعمه، وبالله تعالى التوفيق.