الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [باب صدقة التطوع] .
هذا الباب الجديد في صدقة التطوع، والذي قبله صدقة الإلزام، أي: ليس فيها تطوع ولا اختيار، لكن هنا يتطوع بها.
وقبل الكلام على هذا الباب ننظر في معنى ومغزى هذا العنوان: فالإنسان من حيث هو يرغب في المال، ويحرص على جمعه:{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر:١٩-٢٠] فالإنسان حريص شديد الحرص على الدأب في جمع المال، فإن كان يخاف الله تحرى الحلال، وإلا فلا يبالي من أين أتى، فعلى أنه يتحرى الحلال ويجمع المال (لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً) ، فإذا ما حصل على المال وتوفر عنده يكون شحيحاً به، يضن بإخراجه، فجاءت الفريضة في زكاة المال وصدقة الفطر، وألزمته رغماً عن شحه، فإذا أدى الواجب عليه برئت ذمته وطهر ماله، ولكن هل الإنسان يقف عند أدنى الحد؟ الواجب هو أدنى الحد في بذل المال، لكن الإنسان يسمو ويتعاطف مع أوامر المولى سبحانه وتعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}[البقرة:٢٤٥] ؛ فهنا تأتي صدقة التطوع لأنها من دافع الإنسان نفسه، أي: من دافع إيمانه ورغبته في الخير، وإيثاره الآخرة على الدنيا؛ لأنه يدفع هذه الصدقة متطوعاً.
فالأولى أخرجها فريضة عليه:(فإن أداها طيبة بها نفسه فبها ونعمت! وإلا أخذناها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا) يعني: يخرجها غصباً عنه، لكن في صدقة التطوع ليس هناك جبر عليه ولا غصب له! هل هناك عقوبة على تركها وعدم فعلها؟ لا، لكن هناك الرغبة في الأجر، وإيثار الآخرة على الدنيا، والتعامل مع الله سبحانه وتعالى.
وقدمنا مراراً بأن قانون الحياة يمشي على مبدأ المعاوضة: خذ وهات، ثمن وسلعة، فتتبادل مع غيرك وتتعاون معه، أما الصدقة إذا أخرجتها فأين العوض عنها؟ قد يبلغ الأمر بالإنسان السوي المؤمن بالله أنه يخفي صدقته على المسكين، بل يخفيها على نفسه كما سيأتي في حديث:(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وذكر منهم: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) وهناك الآية: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة:٢٧١] .