الدعاء ينفع الميت من أخ صالح، أو من زوج صالح، أو من صديق صالح، ومن أي مسلم كان سواء كانت له صلة بالميت أو لا صلة له به إلا بالإسلام، وفي الحديث:(إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه) ، فدعاء الولد لوالده من كسبه، فماذا عن الآخرين؟ إذا مات شخص فإنه كان في الدنيا مع الناس على أحد رجلين: إما أنه كان محسناً معه إليه، فإنه سيدعو له بعد موته لإحسانه إليه في الدنيا، وما الموجب الذي سيجعله يدعو له؟ إحسانه إليه، وقد يموت إنسان فيدعو عليه آخر، فما السبب؟ إساءة معاملته، كما أن الذي يدعو له إنما هو بسبب حسن معاملته.
إذاً: حسن معاملة الناس تستجلب دعاء الناس له بالخير، فحسن المعاملة للناس هي من كسبه في حياته، وقد ورّثت له دعوات صالحة ممن كان يحسن إليهم، فحسِّن معاملتك مع الناس لتستجلب منهم دعوات الخير بعد وفاتك، ولا تعاملهم بالإساءة والسوء.
إذاً: هذا الحديث يضع لنا منهجاً في السلوك، وهو أن تعامل الناس بالحسنى، وأقل ما يعود عليك من حسن معاملتك للناس أنهم يدعون لك بعد موتك، وهذا يدخل في الصدقة الجارية، وكما تنتفع من الولد الذي من صلبك وهو من كسبك، فكذلك تنتفع بدعاء الناس لك بعد موتك، وذلك بسبب حسن معاملتك لهم، وهذا من كسبك أيضاً.
إذاً: لينظر كل إنسان في معاملاته مع الناس عامة، ومع الرؤساء والمدراء خاصة، فينبغي لمن تحتهم أن يعاملهم بالحسنى، وبالكلمة الطيبة، فإذا لم ينجز له عمله فليسمعه كلمة طيبة، وليعده وعداً حسناً، لا أن يخاطبه بجفاء ويقول: مالك عندنا شيء أو لا أعرف شيئاً! فالمسألة ليست شخصية، والله سبحانه وتعالى أوصلك إلى هذا المكان لتخدم الناس، لا لتستخدمهم أو لتحجب حقوقهم عنهم، وهذا العمل ليس من شأنك ولا من رأس مالك ولا من كسبك، وإنما وليت عليه لتنفع الناس.
وهذا الحديث شغل بالي فيه سبب انتفاع الميت بدعاء عامة أفراد المسلمين، فظهر لي -والله تعالى أعلم- أن دعوات عامة المسلمين للميت إنما هي من كسب الميت في حياته، بسبب حسن التعامل مع الناس.