[اختلاف أصناف المأمومين وموقفهم من الإمام]
قال المصنف رحمه الله: [وعن أنس رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أنا ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا) متفق عليه، واللفظ للبخاري] .
حديث أنس رضي الله تعالى عنه هذا فيه قصة صغيرة، وهي أن أم سليم دعت النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليها -ومنازل بني سليم عند مسجد القبلتين- فأتى إليها وصنعت له طعاماً، وبعد أن تناول الطعام طلبوا منه أن يصلي لهم في البيت ليتخذوه مصلى، فقام أنس إلى حصير قد اسود من طول ما لبس ونضحه بالماء، وفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يصلي، وصلى بصلاته أنس واليتيم وأم سليم فكيف كان اصطفافهم؟ يبين لنا المؤلف رحمه الله إذا كان المأمومون رجالاً وصبياناً ونساءً كيف تكون الصفوف.
يقول أنس: (فقمت أنا ويتيم) ، واليتيم: هو من مات أبوه قبل البلوغ، ويقولون: اليتيم في بني الإنسان من فقد الأب، وفي الحيوان من فقد الأم، وفي الطيور من فقد الأبوين.
ويقال من جانب آخر: اليتيم من فقد من يرعاه ويكلؤه، والأب هو الذي يرعى الولد، والحيوان ترعاه أمه، فقد تكون في الإبل عشرات ومئات النياق، بينما لا يكون فيها غير فحل واحد، وإذا نتحت الناقة فهي التي ترضع، أما في الطير فالأبوان يتناوبان على العناية بالبيض حتى يخرج الفرخ، ثم يتناوبان على إطعامه.
فهنا يقول أنس: (قمت أنا ويتيم) ، ولا يتم بعد البلوغ، فهو دون البلوغ، وهنا يقال: هذا أنس رجل كبير، ومعه غلام دون البلوغ، أيتم الصف أم يعتبر في كون المأمومين غير واحد، ويكون موقفهم خلف الإمام، أو لا عبرة باليتيم، ويكون الرجل عن اليمين واليتيم بجانبه؟ وجدنا هذا عملياً، فأن الصغير إذا كان مميزاً يطمئن الكبير على بقاء هذا الصغير معه في الصف، بخلاف ما إذا كان عمره سنتين أو ثلاث، فبينما هو واقف يقف بجانب أبيه وإذا به فجأة يجري ويتركه، فهذا لا يعتد به.
فإذا كان مميزاً مدركاً، وسيقف ويتم الصلاة، فاعتد به، واعتبر الصف باثنين فأكثر، فيكون مكانهم خلف الإمام.
وموقف المرأة وراءهم، فالمرأة وراء الرجال.
لكن إذا قام زوجان يصليان فهل تقوم المرأة عن يمين زوجها أو تقف خلفه؟ والجواب: تقف خلفه، ولا تحاذيه في موقفها.
قال: (فقمت أنا واليتيم) ، وفي بعض النسخ: (فقمت واليتيم) ، والمشهور في اللغة (قمت أنا واليتيم) ؛ لأن العطف على الضمير المتصل يحتاج إلى الإتيان بضمير مؤكِّد، ويكون العطف على الضمير المنفصل المؤكِّد، فالمشهور لغة: (قمت أنا واليتيم) ، فضمير (أنا) راجع إلى التاء، وهي الفاعل في الفعل قمتُ، فـ (قمت) : فعل وفاعل، والفاعل تاء المتكلم.
فجاء هنا في بعض النسخ: (قمت واليتيم) ، والشارح ذكر أن هذا جائز، وهو لغة عند البصريين، فإذا وجدناها (قمت واليتيم) فهي صحيحة عربية، وإذا جاء (قمت أنا واليتيم) فهي صحيحة، وهي لغة الجمهور.