[أحكام لقطة الحرم المكي]
هذا جزء في باب اللقطة، وهو في الواقع محير.
(نهى صلى الله عليه وسلم عن لقطة الحاج) ، وفي بعض الروايات: (عن لقطة الحرم) والمعني بذلك: حرم مكة، فبعضهم يقول: لقطة الحرم تشمل الحاج والمكي المقيم، وقد توجد بعض العلامات على اللقطة تميزها، إن كانت لحاج أو لمكي، فإن تبين أنها لمكي فحكمها حكم لقطة أي بلد كان، وإن كانت أماراتها وعلاماتها تدل على أنها لقطة حاج فهي محل السؤال.
وبعض العلماء يعمم لقطة الحاج في جميع مواطن الحجاج، فيشمل لقطة عرفة، ومزدلفة، ومنى.
وبعضهم يقول: والمدينة؛ لأنها المواطن التي يتواجد فيها الحاج.
ولكن النص هنا: (نهى عن لقطة الحاج) .
وفي بعض الأحاديث في فتح مكة وحرمتها: (لا يختلى خلاؤها، ولا تلقط لقطتها، إلا لمنشدها) فكذلك في هذا الحديث: (نهى عن لقطة الحاج) ، إلا لمنشدها.
جميع اللقط ستنشد، فما الذي خص مكة بهذا؟ لم كانت لها خصوصية في هذا زيادة عن لقطة جدة أو الطائف أو الرياض؟ قالوا: الغرض من هذا هو: المبالغة في الإنشاد عليها أو تعريفها، ولا تحدد ملكيتها بسنة أو سنتين أو أكثر، ولكن إن عجز وغلب الظن.
وخصت لقطة الحاج؛ لأن من يريد أن يعرف اللقطة يتوقع مجيء صاحبها ويعرفها، والحاج قد سقطت منه اللقطة، وربما سافر إلى بلاده، فهو لا يدري عن تعريفها، ولا يدري متى سيعود.
فقالوا: يعرفها عند أهل قطرها إن كانت معروفة، لأن اللقطة تميز أحياناً إن كانت لبعض الحجاج في بعض الأقطار؛ فهذه سلعة لحجاج هنود، أو شاميين أو مصريين، إن كانت متميزة تعمد تعريفها عند الوفود القادمة من تلك البلاد، لربما يكون صاحبها قد أوصى الوافدين أن ينشدوا عنها.
إذاً: (نهى عن لقطة الحاج إلا لمنشدها) ، ومعلوم أن كل لقطة سينشدها لاقطها، ولكن قالوا: هذا زيادة في تعريفها وإنشادها.
ثم قالوا: كل لقطة في أي قرية أو في أي مكان يلتقطها الملتقط، فقد يلتقطها على نية التملك إن لم يجد صاحبها بعد الحول، لكن لقطة الحاج لا يلتقطها على نية أنه سيتملكها بعد تعريفها الحول، ولكن يلتقطها على نية التعريف المؤبد.
وإذا لم يوجد لها من يعرفها، والبعض يقول: يسلمها للسلطان، والبعض يقول: هي مال الله، كما تقدم.
هل هذه المكاتب المقامة لأخذ لقطة الحاج تجزئ؟ نقول: إنه ينبغي ترتيب وتنظيم ما يقال له: محل الضائعات، نعلم أن مكة بعض المراكز المخصصة محل للضائعات أو الضائعين عن مخيماتهم أو حجاجهم، والعاملين في الحكومة جزاهم الله خيراً يجعلون لهم مخيماً ويقومون عليهم حتى يوصلونهم إلى عرفات، والمناسك، ثم يقولون: ثم ينادى على رءوس الأشهاد: يوجد حاج صفته كذا وكذا، من عرفه يأتي يأخذه، هذا الحاج الضائع ليس بلقطة.
فكذلك بعض الأماكن للضائعات؛ إنسان ضاعت له شنطة، أو كيس، أو أي شيء يروح في محل الضائعات، ويبحث، إن وجد ضالته أو ساقطته أخذها، وتنظيم مثل هذا المحل للضائعات يريح اللاقط.
وبعضهم يقول: لا يلتقطها، ويتركها.
والآخرون كما يؤكد ابن عبد البر: وإن لم يتعرض لقطة الحاج، إلا أنه قال في عموم أخذ اللقطة أو تركها: الأولى أخذها، حفظاً لمال أخيه المسلم.
إذاً: لقطة الحاج تتميز عن لقطة غير الحاج: بأنه مظنة السفر عنها، ولربما في عام مقبل يأتي من جانبه من ينشد عنها، فإذا لم يأت هذه السنة يأت السنة التي بعدها.
وتقدم بأن يكون في حالة ما إذا كانت مما يقبل البقاء كدراهم ودنانير، أو ملابس أو شيء من هذا.
أما إذا كان طعاماً أو شراباً أو مما يسري إليه التلف فلا ينبغي أن يبقيها حتى تتلف في محلها، بل يستنفدها، أو يتصدق بها، ويحتفظ بقيمتها، إن أكلها قدّرها واحتفظ بالقيمة وعرّف، ومن جاء أخذ القيمة، وإن تصدق عرف قيمتها قبل أن يتصدق بها، فإذا جاء صاحبها أخبره، فإن شاء نزل على الصدقة، وتكون باسمه، وإن شاء لم ينزل عليها، وطلب حقها يعطيه إياها.