للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب الغلاء وكيفية رفعه]

غلاء السعر يكون بقلة السلعة، أو كما يُقال: الطلب من العرض، فتكون هناك المزاحمة على السلع، فترتفع الأسعار، وارتفاع الأسعار إما أن يكون بقلة السلعة، أو بحرص بعض المواطنين على الجمع، وسيأتي التنويه إلى هذا المعنى، فيأتي أصحاب الأموال إلى الأسواق، ويجمعون السلع، أعطاهم الله المال، فأخذوه وخزنوه، وقلَّت السلع في السوق، فغلا السعر، سواءً أخذه لنفسه، أو أخذه محتكراً، لبيعه فيما بعد، بصرف النظر عن الحكم، فهذا هو موجب غلاء السعر.

فقالوا: (يا رسول الله! غلا سعر فسعر لنا) ضع سعراً لا يتجاوزه التجار، وهذا ما يُقال له: التسعيرة، أو التسعير، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو المسعر) وهل المراد أن الله سينزل أسعار السلع؟ ليس هذا هو المراد، ولكن الله تعالى هو الذي يرخص إذا أنزل البركة، وكثر الصنف، وكثرت الأسواق؛ رخصت السلع، وإذا منع المطر، ومنعت السلع وقلَّت؛ غلا السعر، فيكون المسعر حقيقة هو الله سبحانه وتعالى وقوله: (القابض الباسط) القابض: يقبض الرزق عن عباده، فتقل السلع، فيغلو السعر، والباسط: يبسط الرزق لمن يشاء، فتتوفر السلعة، ولهذا يكون دائماً وأبداً الرجوع إلى الله (القابض، الباسط) .

وقوله: (الرازق) .

وهذا صريح بأن الله الرازق إذا أوسع الرزق للعباد رخصت الأسعار، وإذا ضيق عليهم غلت الأسعار، ولذلك فعلينا أن نفتش عن أسباب تضييق الرزق وأسباب منع القطر، وأسباب محق البركة؛ ليتجنبها الناس.

إذاً: السعر بيد الله؛ لأنه القابض، الباسط، الرازق، فبالقبض يكون الغلاء، وبالبسط والرزق يكون الرخاء.

ثم رجع إلى نفسه صلى الله عليه وسلم ليعلمنا بعض الآداب فقال: (إني لأرجو أن ألقى الله) .

وكلنا سيلقى الله، ولكن ليس الرجاء على أن يلقى الله، فإن لقاء الله حتمي وبدون رجاء، ولكن على القيد الذي بعده: (أرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني ... ) أي: أرجو أن لا أكون متحملاً لأحد منكم في ذمتي حقاً، في دم، أو مال، وقوله: (أحدٌ) عام شامل، بخلاف الواحد للعدد، فقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] فيه مطلق الوحدانية لله سبحانه، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحد) يشمل كل فرد على وجه الأرض من بني آدم، (منكم) أي: وليس لأحد منكم يا أصحاب الطلب له في ذمتي مظلمة، وكأنه يشير إلى أن التسعير إذا لم يوفق المسعر إلى الصواب، فهو ظلم لصاحب السلعة إن كان التسعير أقل من قيمتها، وظلم للمستهلك إن كان التسعير أكثر مما تستحق، وبهذا لا يسلم المسعر من مظلمة، (وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة) في ذمتي أو عندي، في أي شيء؟ (في دم ولا مال) سبحان الله! الرسول صلى الله عليه وسلم سيظلم في الدم؟! بعوضة لا يظلم فيها، لكن إياك أعني واسمعي يا جارة! وإذا كان سيد الخلق -وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- يخشى أن يلقى الله بمظلمة في دم أو في مال فغيره من باب أولى.

والكلام هنا هو في التسعير، والتسعير مال، ولكن لما كان الموقف موقف تحذير من الظلم في المال، جاء بالدم معه؛ لأنه أهم: (وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال) أين محل المظلمة في المال؟ في التسعير؛ لأنه إما أن يكون زائداً عن القيمة فيكون ظلماً للمستهلك، أو ناقصاً عن القيمة فيكون ظلماً للمالك.