ذكر رافع صور الإجارة التي كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك الصور العقل يأباها؛ لأنها غير عادلة وفيها غرر: كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات، وأقبال الجداول) .
يعني: يؤاجرون ويجعلون أجرة الأرض التي تزرع ما ينبت على الماذيانات وأقبال الجداول، وما معنى هذا؟ قالوا: إذا طاب الزرع جاء المستأجر وحصد ما نبت على الماذيانات وأقبال الجداول وجمعه وقدمه لصاحب الأرض أجرة على أرضه، ويبقى للمستأجر عموم ما داخل الحوض.
إذاً الزراعة انقسمت إلى قسمين: قسم لصاحب الأرض، وقسم للمستأجر.
وهل القسمان متساويان في النبات؟ وهل هما متساويان في الإنتاج والثمرة؟ لا، فيصح هذا ويهلك ذاك يصح ما على الماذيانات وأقبال الجداول، ويهلك ما بداخل الحوض، لأنه يأته ماء كافٍ، وقد يكون العكس: يصح ما بداخل الحوض، ويهلك ما على الماذيانات وأقبال الجداول لكثرة الماء، فالزرع في بعض الأحيان لا يقبل كثرة الماء، ويحتاج إلى ماء بمقدار، وأنواع الزراعات كالذرة والشام مثلاً إذا زرع بعلياً وطلع لابد أن يشرب على عدد إحدى وعشرين يوماً، أما إذا شرب على تسعة عشر أو على اثنين وعشرين ما أفاد، بل لابد أن يشرب على إحدى وعشرين يوماً من يوم أن زرعته ودفنته في التراب، ثم بعد ذلك على عدد معين يسمونها السقية الثانية؟ إذاً: قد يصح هذا ويهلك ذاك، ويهلك هذا ويصح ذاك؛ فحينئذ حينما يقع الهلاك على الماذيانات ورءوس الجداول ماذا استفاد صاحب الأرض، تكون المصلحة كلها للمستأجر، وإذا صح ما على الماذيانات وأقبال الجداول وهلك ما في داخل الأحواض فأين أجر الأجير المسكين؟ لا شيء.
لكن حينما نقول: تزرع الأرض على جزء مما يخرج منها: ماذياناتها مع جداولها مع حياضها، حصدنا الجميع دون استثناء وصفيناه، وكان العقد على ربع الثمرة أو ثمن أو ثلث أو نصف الثمرة، إن صح شيء صح للجميع، وإن هلك شيء هلك على حساب الجميع، وهكذا لا يكون في ذلك غرر ولا غبن.
[ (ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه) ] .
ولهذا زجر عن هذا النوع من الإجارة، فزجر عن إجارة الأرض على جزء معين محدد مما ينبت في أجزاء من الأرض، لا على نسبة مشاعة في جميع الزرع، فلما فيه من الغرر نهى عنه.