[شروط الرجوع في عطية الولد]
تقدمت الإشارة إلى أنه إذا لم يكن هناك أولاد، وكان عطاء من الوالد لولده الواحد، فإن رجوعه فيما أعطى الولد يشترط له بعض الشروط: أن تكون العين باقية في ملك الولد، ولو أن الولد وهبها أو باعها، أو عبداً أعتقه، أو جارية أولدها، فإنه في هذه الحالات لا يملك إرجاعها؛ لأنها انتقلت من ملك الولد إلى ملك الغير، وكذلك الجارية: إذا وهب ابنه جارية فاستمتع بها وحملت منه أصبحت أم ولد، وأم الولد لا يملك سيدها أن ينقل ملكها إلى غيره؛ لأنها تعتق عند موته.
وجاء الخلاف عند الحنابلة، ونص المغني شكل، ونص كشاف القناع شكل آخر، فالمغني يقول: مالم تتعلق بالعطاء رغبة الآخرين، وأشرنا إلى هذا المعنى بأنه لما أعطى ولده العطاء رغب الناس في التعامل مع الولد؛ لأنه أصبح له مال، خطب زُوج، والفتاة تخطب من أجل ما أعطاها أبوها: (تنكح لمالها) فإذا ما تزوج الولد، وتعامل مع الناس فداينوه، وتزوجت الفتاة، فإذا بالوالد يأتي فيرجع فيما أعطى ولده، كأنه أضر بالآخرين.
الطرف الثالث الذي وجد: وهو من داين الولد من أجل عطية أبيه، ومن زوج الولد من أجل عطية أبيه، ومن تزوج البنت من أجل عطية أبيها، هؤلاء يتضررون إذا رجع الوالد في عطائه لولده، والأصل: (لا ضرر ولا ضرار) .
هذا الوجه يذكره ابن قدامة في المغني قولاً واحداً، وكشاف القناع يذكر الروايتين: ولو تعلقت به رغبة الآخرين، بهذا النص.
ولو رهنه ينتظر الوالد حتى يفك الرهن؛ لأن الرهن لا ينقل ملكية العين عن مالكها، فهو حدث يمنع التصرف في المال، والراهن بنفسه لا يحق له أن يبيع الرهن، ولا يحق له أن يعتقه إن كان عبداً أو أمة؛ لأنه متعلق بالدين الذي في ذمته، فهو رهن لوفاء الدين، فإذا باعه انتفى مقصود الرهن، فإذا كان الولد قد رهن ما أعطاه أبوه في دين عليه.
قال في الكشاف في الرواية الأخرى: ينتظر الوالد فك الرهن ثم يرتجع المرهون، ولكن المغني قدم عدم الرجوع قولاً واحداً.
ثم من شروط رجوع الوالد: أن لا يزيد العطاء في يد الولد، والزيادة تنقسم إلى قسمين: زيادة منفصلة وزيادة متصلة، فالزيادة المنفصلة كأن وهبه ناقة ثم لقحت الناقة فأنتجت وأصبح لها فصيل، وأراد الأب أن يرتجعها، قالوا: له أن يرتجع الأصل والنماء للولد؛ لأنه نماء وقع في ملكه.
أما الزيادة المتصلة التي لا يمكن فصلها، بأن كانت الناقة عجفاء، فعلفها حتى سمنت، أو كان الغلام جاهلاً عامياً فعلمه القراءة والكتابة، أو علمه صنعة، فهذه زيادة متصلة بالشخص لا يمكن فصلها عنه كفصل النتاج عن الناقة؛ فحينئذ لا يحق للأب أن يرتجع هذه الهبة؛ لأن الولد صارت له شراكة في هذه العين بقدر الزيادة التي زادت واتصلت.
كذلك من شروط رجوع الوالد في حق ولده: ألا تكون العين قد تلفت، أما إذا كانت نقصت بأن كان سميناً ثم هزل عنده فهو بالخيار؛ لأنه رضي بهذا النقص، فله أن يرتجع هبته إن أحب، وهذا كله تفصيل في رجوع الوالد فيما أعطاه لولده.
أما تملك الوالد من مال الولد ابتداء فيزاد فيه شرط آخر: وهو ألا يأخذ مال الولد هذا ليعطيه للولد ذاك؛ فالحديث بين أنه فيما أخذه لنفسه: (أنت ومالك لأبيك) ما قال: لأخيك، فإذا أخذ الوالد من مال ولده ودفعه لولد آخر فيكون قد أعطى مال الولد لأخيه وهذا لا يصح له.