قال الله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النور:٣٣] ويقول العلماء: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} خيراً هنا عام: خيراً في السلوك، وخيراً من نظير قوله:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ}[البقرة:١٨٠] ، يعني: إن علمتم أنهم يستطيعون أن يدفعوا المكاتبة.
وأصل المكاتبة: أن يريد السيد مالاً، ويريد أن يبيع العبد، أو المملوك، والمملوك لا يريد أن يخرج من رق إلى رق، ويريد أن يشتري نفسه، أي: يعوض سيده عما يقبضه من ثمن من سيد آخر، وينتقل من سيد إلى سيد، فيكاتبه ويتفق معه على مقدار معين، ويشترط في الكتابة أن يكون الثمن منجماً، وأصل النجم لغة: الكوكب في السماء، وهي النجوم المنتشرة في السماء، والعرب تسمي الأجل نجماً، حتى حمل بعض العلماء قوله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم:١] قالوا: نزول القرآن منجماً، يعني: على فترات، وكانت العرب إذا استدانت كتبت الوفاء عند ظهور النجم الفلاني، وهم يعرفون مسيرة النجوم ومواقعها، وهذا من بعض علومهم العامة.
ويستحب أن يسامح سيد العبد المكاتب في القسط الأخير أو بعضه، فـ بريرة كاتبت أهلها على ما ذكرت لنا تسع أواق، كل سنة أوقية، يعني منجمة على تسعة أنجم، والمكاتب من حقه أن يسعى ويطلب، ويحق له الطلب والسؤال، وله من الزكاة حصة قال تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ}[التوبة:٦٠] ، فيأخذ من الزكاة جزءاً ليكمل به ما نقص عليه من الدين في مكاتبته.
وهنا جاءت بريرة إلى عائشة فقالت: أعينيني في النجم الذي سيأتي، وليس في التسعة الأنجم، وبعضهم يقول: إن بريرة جاءت عند العقد، ولم تكن قد دفعت لا قسطاً ولا نجماً، وبعضهم يقول: لقد دفعت أربعة أنجم، وبقي عليها خمسة أنجم، فجاءت تستعين عائشة رضي الله تعالى عنها، وكل ذلك يؤخذ من حديث بريرة في شأن المكاتبة.