وقوله:(ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة) .
وهذا شخص ثالث، فالأول: تحمل حمالة لغيره، فيأخذ حتى يسترد ما تحمل، ولو كان عنده مال؛ لأنه فاعل خير لغيره، فوجب تعاون المسلمين معه، والثاني: ماله موجود، ولكن اجتاحته جائحة فأصبح معدماً، وهذا من حقه على إخوانه المسلمين أن يتعاونوا معه، وإذا سأل حلت له المسألة (حتى يصيب قواماً من عيش) ولا نتركه -بعد أن كان ذا مال وفير- يتكفف الناس السؤال؛ لأن هذا أصعب ما يكون عليه، وهذا أصعب عليه من ضياع ماله واجتياحه؛ لأنه ما تعود هذا، بخلاف الشخص الذي نشأ على المسألة، فلا يهمه أن يسأل أعطوه أو طردوه، عبسوا في وجهه أو استبشروا في وجهه؛ لأنه تعوّد على ذلك فلا يضيره، بخلاف الشخص العفيف المستغني بماله الذي لم يتعود المسألة، فإنه إذا اضطر إلى قرضة من المال، توقف وأحجم أن يطلب من أحد قرضاً، مع أنه سيقترض ويرد؛ لأن القرض يشعر بالحاجة، فمن حقه على المسلمين أن يعطوه ويساندوه (حتى يصيب قواماً من عيش) .
وقد جاء عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: لو أن رجلاً مات جوعاً في محلة قوم لألزمتهم ديته، لأنه كان يجب عليهم أن يطعموه، ومن هنا يحق للمسلم أن يعلن للعالم: أن ما تدعونه من الضمان الاجتماعي هو موجود في الإسلام بأكثر مما لديكم، ولا ننسى فريضة الزكاة، فهي ضمان إجباري:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:٢٤-٢٥] ، فيجب أن يتميز المجتمع الإسلامي بالتعاطف والتراحم، كما قال صلى الله عليه وسلم:(كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) يعني: أحس بشكوى العضو، ولو كان في أقصى العالم، وقال:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ، فهذا الأول والثاني.
والثالث: لم يتحمل حمالة لغيره، ولم يك ذا مال فاجتاحت ماله جائحة ولكنه ضعيف الحال، فقير أصابته فاقة، ودخله بقدر حاجته، ولكنه في بعض الظروف تعطلت روافد مصرفه، مثلاً: كانت له تجارة فتعطلت، أو كانت له تجارة فخسر فيها، أو كانت له زراعة فقل دخلها، فأصابته فاقة بأي سبب، ومهما كانت الأسباب فمادام أنه قد أصابته الفاقة، وهو في حالة الحاجة والاضطرار؛ فحينئذ له الحق أن يسأل، وإلى متى؟ (حتى يصيب قواماً من عيش) .