أولاً: الكلأ: هل هو ما تنبته الأرض وكان رطباً، والخلاء ما كان يابساً، والعشب يجمع بين الأمرين، أو غير ذلك، وتدور بين العشب والكلأ والخلاء فيشمل الرطب واليابس؟ وما هو المراد بالنار: حقيقة النار المشتعلة أو وقود النار من حطب ونحوه؟ وما المراد بالماء: الماء في القربة، أو في المسيل أو في النهر؟ بعض الناس استغل هذا الحديث بما أساء إلى المجتمعات، وجعله دليلاً على الاشتراكية، واستدل به على تشريك من لا يملك شيئاً منها لمن يملك من ذلك، والغرض في هذا الحديث: أن التشريك إنما يكون في العام الذي لا خصوصية لأحد فيه، فالمراد بالماء هنا الماء في النهر الجاري، الماء في مجرى السيول، العين الفوارة التي لا تختص بأحد، فكل إنسان شريك فيه يأتي إلى النهر فيأخذ ما يريد، يأتي إلى مجرى السيل فيأخذ ما يحتاج، وهكذا ماء العين.
أما إذا ذهب إنسان وملأ قربته أو خزانه بالماء في الوقت الحاضر، فليس لأحد شراكة في هذا الماء الذي حازه بعض الأشخاص، أخذت الماء إلى بيتك هل يدخل جارك ويأخذ من هذا الماء ويقول: نحن شركاء فيه؟ لا، لأنك حزته.
اذهب وخذ حيث أخذت أنا وغيري، فإذا حازه إنسان إلى نفسه فقد أصبح ملكاً له وليس لأحد شراكة فيه.
وأما الكلأ فهو النبات الذي ينبت في الأرض الموات وليس في أرض مملوكة لإنسان، فما كان في أرض مملوكة لإنسان فصاحب الأرض أحق به، ولا يجوز لأحد أن يحتشه إلا بإذنه، أو يدخل ملك غيره يرعى بغنمه إلا بإذنه، أما الذي في بطون الأودية، وظهور الصحاري، والأراضي الموات، فكل مشترك فيه، يذهب الكل ويرعى بغنمه أو يحتش ويأخذ لما عنده في بيته من بهيمة الأنعام.
والنار قيل: المراد بلهبها يستضيء به كل إنسان، أو يستدفئ عليه، أو يأخذ قبساً منها ليوقد ناره، لا أن يأتي لإنسان جمع حطباً وأوقد ناراً لينضج عجينه خبزاً أو إدامه طعاماً، فيزيل قدره عنه ويأخذ قسماً من النار إلى نفسه، ويقول: أنا شريكك في النار، فيقال: لا.
وقيل: شركاء في أصل النار وهو الحطب وقوداً لها، فالناس يحتطبون الحطب من الجبال وسفوحها، ومن الخلاء والصحاري وهم شركاء، يخرج الحطابون كلاً بفأسه وحبله، ومن يسبق إلى شجر يابس فيقطع ويجمع فهو له، لكن بعد أن حزم الحطب وجمعه وذهب به إلى بيته هل يأتي جاره ويقول: أنا شريكك في هذا الحطب؟ لا.