للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة القائلين بجواز زيارة النساء للقبور]

وقال المجيزون: أما واو الجماعة، فإن القاعدة في اللغة العربية تقول: إنه إذا وجدت مائة امرأة ورجلٌ واحد فإنه يخاطب المائة والواحد بواو الجماعة للمذكر، ويدخلن النسوة معه تبعاً، وأيضاً قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فإن الواو هنا واو الجماعة، فيدخلن النسوة قطعاً في إقامة الصلاة.

ومثل ذلك مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣] فقوله: (آمنوا) دخلت مع واو الجماعة نون النسوة في الصيام، قالوا: فلا دليل للمانعين في ذلك.

ثم إن حديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) جاء فيه التعليل للإذن بالزيارة في قوله: (فإنها -أي: الزيارة للموتى- تذكر الآخرة، وتزهد في الدنيا، أو تذكر بالموت) إذاً: الإذن بالزيارة معللٌ بعلة، وهي أن يتذكر الزائر الموت، ويزهد في الدنيا، ويرغب في الآخرة، وليست تلك العلة خاصة بالرجال، بل إن النسوة أيضاً في حاجة إليها، والحكم إذا كان معللاً بعلة، فإنه يدور معها وجوداً وعدماً، والعلة موجودة في النساء، بل إن المرأة أحوج إلى هذا التذكير.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) فنقول: نعم، الحديث جاء بصيغة المبالغة؛ لأن المرأة تكثر الزيارة، فيكون هناك بعض المحظورات؛ لأنها قد لا تتحفظ في الذهاب، ولا تؤدي واجب بيتها، وقد تهمل البيت بكثرة الخروج، وقد تتكلم بكلام لا يرضي الله.

وجاء في الحديث السابق: (ألا فزوروها، ولا تقولوا هجراً) يعني: إذا زرت المقابر فلا تقل: يا حبيبي، يا سندي، ونحو ذلك.

فيكون النهي لزوارات القبور لعدم صبرهن عند المجيء إلى القبر، وتكلمهن بأشياء لا ترضي الله عز وجل.

وجاء أيضاً في حديث آخر: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بالمقبرة، فوجد امرأةً تبكي عند قبرٍ، فقال: يا أمة الله! اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، فتركها وذهب، فأتيت فقيل لها: إنه رسول الله، فاعتراها ما يشبه الموت، ثم أسرعت ولحقت به، تقول: فما وجدت على بابه بوابين، وقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وأصبر، قال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى) قال المجيزون: كانت هذه المرأة في المقبرة عند القبر تبكي، فلم يبدأ بنهيها، ولم يقل: أنت ملعونةٌ في زيارتكِ، ولم يقل لها: أنت منهية عن الزيارة، ولكن أرشدها إلى ما هو الأفضل: (اتقي الله واصبري) فقد أقرها على زيارتها ومجيئها إلى القبر.

قال المانعون: وما يدرينا، لعلها ذهبت مع المشيعين وجلست هناك؟ وقد أجاب المجيزون عن ذلك بحديث: (نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) وجاء حديث عن عائشة رضي الله عنها وفيه: (.

ثم انطلقتُ على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل، فقال: مالكِ يا عائش حشيا رابية؟ قالت: قلت: لا شيء، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي.

فأخبرته.

قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم.

فلهدني في صدري لهدة أوجعتني.

ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: نعم.

فإن جبريل أتاني حين رأيتِ فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدتِ، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم.

قالت: قلت: إذا زرت القبور فكيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) فهنا أم المؤمنين تسأل: ماذا أقول إن أنا زرت؟ فلم يقل لها: لعن الله زوارات القبور ولم يقل لها: أنتِ منهية عن زيارة القبور، بل أقرها على سؤالها، وعلمها ماذا تقول إن هي زارت القبور، ولهذا يذكر النووي -وإن كان مذهب الشافعي الكراهة- أن مذهب الجمهور الجواز بشرط الأمن من محظورٍ شرعي: مثل أن تتكلم بكلمات لا ينبغي أن تتكلم بها، كأن تقول: يا سندي يا حبيبي أو أنها تخرج من غير تحفظ بتزين أو بغيره، أو تعطل مصالح بيتها من زوجها وأولادها إلى غير ذلك، وكذلك حالة الإكثار.

وعلى هذا استدل المانعون بما ذكرنا، واستدل المجيزون بما ذكرنا، وكلٌ رد على الآخر في رأيه، والأخير ما ذكره النووي: بأن الأكثر على جواز ذلك مع أمن المخالفة الشرعية، في قولها، وفي صورة خروجها.