[السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ومعانيه]
قوله: [السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته] .
هذه الجملة تكلم بها الرسول أمام ابن مسعود، ولماذا لم يقل بدلاً عنها: (السلام عليّ) ، عليك راجعة لمن؟ وعليّ راجعة لمن؟ لأن عليك كاف خطاب من المتكلم إلى المخاطب، وعليّ من المتكلم إلى نفسه، وهنا يعلمهم ماذا يقولون، فلو قال: السلام علي، فلو أن إنساناً قال: السلام عليّ، يكون بهذا سلم على نفسه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم هنا ما قال: (ثم صلوا عليّ) ، فهو يعلمنا أنه جرد من نفسه شخصية التعليم، بالنسبة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، فقال: قولوا: (السلام عليك أيها النبي) ، صحيح أنا النبي، ولكن واجب عليكم أنتم أن تسلموا على النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً: علمهم عندما كانوا موجودين أن يخاطبوه، سواء كان موجوداً عنده أو من غاب عنه، وكيف يخاطب من انتقل إلى الرفيق الأعلى، والخطاب لكل موجود؟ قال بعضهم: نقول: (السلام على النبي ورحمة الله وبركاته) ولا تقل: (السلام عليك) ؛ لأن هذه كاف الخطاب، وتكون للحاضر الموجود.
لا والله؛ لأنك حينما تقول: السلام عليك أيها النبي، ذهنك وشعورك وقلبك وروحك وإحساسك يتصور شخصية رسول الله وكأنك تخاطبه، وتجدد العهد بإيمانك، وتقوي الصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو وإن لم يكن حاضراً عندك في مجلسك فهو حاضر في قلبك وإيمانك حيثما كنت في الدنيا كلها، فأنت تخاطب من آمنت به: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا تصح عبارة أخرى قطعاً.
ثم نجد أن بعض العقلانيين يقولون: أنتم في القرآن في السور الثلاث تقرءون: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:١-٢] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١] ، وليس هناك داعٍ لكلمة: (قل) ، ابدأ بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ برب الفلق ((أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)) لأنها تحصيل حاصل وأنت قائلها.
هل هذا العقل سليم؟ لو قلت: بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله، إذاً: (أعوذ بالله) .
جاءت منك أنت أو من وحي سبق؟ عندما نقول: بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ، كأنه منك أنت، لماذا تتعوذ؟! قال: لأني أريد أن أعوذ، لكن لو قلت: بسم الله الرحمن الرحيم.
قل.
فهذا أمر من الخالق سبحانه الموحي، فلكأنك تقول: أنا أقول ما أمرت أن أقوله.
إذاً: الرسول ما أتى بشيء من عنده، بل هو مأمور بأن نقول: هو الله أحد، فكلمة (قل) جاءت بالوحي نصاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون في موقف المنفذ لما قيل له، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ويكون القائل هو الله سبحانه، وأنت تقول ما قال الله سبحانه وتعالى.
وهكذا هنا: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
ونحن نقول لهؤلاء العلمانيين: في حياة رسول الله وهو إمامهم في الصلاة ويصلي خلفه آلاف الرجال كما في فتح مكة، إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم، من في آخر الصفوف يقول سراً: السلام عليك أيها النبي، هل أسمع رسول الله؟ وهل خاطبه بذاته؟ لا والله، إنما يقول ما أمر أن يقوله، وحتى في المسجد الأول كما ترونه من خلف المنبر بسارية واحدة إلى الحجرة، كان سبعين ذراعاً في سبعين ذراعاً، وفي الصف الأخير النسوة اللاتي خلف صفوف رجال لما يقلن: السلام عليك، هل كان يسمع أصواتهن؟ والذي في الصف الأول في طرفه من هناك هل الرسول يسمع صوته حينما يقول: السلام عليك أيها النبي؟ لم يسمع منه، إذاً: هذه ألفاظ تعبدية يجب أن يقولها الإنسان ويلتزم بها ولا تتعارض مع العقل الصحيح.