القبر محدود، وهو على قدر الإنسان، فكيف يفسح له فيه أو يضيق عليه؟ هذا أمر غيبي، وأمور البرزخ غيبية لا يمكن إدراك شيء منها قط.
وهناك محاولات عديدة رغبة في الاستطلاع، ولكنها باءت بالفشل.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن القبر أنه بين أحد أمرين: إما روضة من رياض الجنة، ورياض الجنة لن تكون ضيقة بل فسيحة، وإما حفرة من حفر النار، عياذاً بالله! ولا مجال للعقل أن يتدخل في الكيفيات، لكنه يتدخل في التصور، فيتصور روضة الجنة، ويتصور حفرة النار، لكن كيف يصير القبر واحدة من هاتين؟ هنا يعجز العقل؛ لأننا نجد الموتى في المقبرة متجاورين، وهذا في نعيمه وذاك في جحيمه، عياذاً بالله! فدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفسح الله له في قبره يدل على أن هذا ممكن؛ لأنه لو لم يكن ممكناً لما كان لسؤاله حاجة.
وقد ذكرنا فيما سبق ما جاء عند ابن كثير في قصة العلاء بن الحضرمي، لما رجع من البحرين، وفتح الله على يديه، أصيب بعد عبور النهر، فتوفي فدفنوه في مكانه، فأتاهم أناس من أهل ذلك المكان وقالوا: إن كان صاحبكم عزيزاً عليكم فلا تتركوه في هذا القبر، فإن هذه الأرض لا تقبل الموتى، تلفظهم على وجهها!! ماذا فيها؟! والله سبحانه وتعالى يقول:{أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً}[المرسلات:٢٥]{أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً}[المرسلات:٢٦] ؟ فالله جعل الأرض أماً للإنسان، في حياته تطعمه وفي مماته تؤويه، وهذه الأرض خرجت عن القاعدة، فكيف أعطاها الله هذه الحالة؟ لا ندري، فقالوا: والله ما من حق ابن الحضرمي أن نتركه نهباً للسباع.
ما دامت الأرض سوف تلفظه ستأتي السباع وتأكله، ومن حقه علينا أن نكرمه، فرجعوا إلى القبر وحفروه وهم حديثو عهد به، فلما فتحوا القبر لم يجدوا فيه أحداً، ووجدوا القبر ممتداً على مرمى البصر.
وقد ذكرت لكم مصدر هذا الخبر؛ لأن الروايات التاريخية مبناها على الإثبات، وابن كثير ليس رجلاً عادياً، بل هو محدث، ومفسر، وهو سلفي، وبعيد عن الترهات.
وقد جاء في الحديث الآخر ما يتعلق بسؤال الملكين، وأنه أول ما ينزل الإنسان القبر يأتيه الملكان ويسألانه، ثم إن كان صالحاً فتحت له نافذة إلى النار، وقيل له: هذا مكانك لو لم تؤمن، ثم تغلق، وتفتح له نافذة إلى الجنة، ويقال له: هذا مكانك، ويفسح له في قبره مد البصر، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة.
فجاء الإخبار عنه صلى الله عليه وسلم بأن القبر يفسح فيه ويضيق، وهنا يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي سلمة أن يفسح الله له في قبره.