الواقع أن القيراط اصطلاح وزن، واصطلاح نسبة، تقول مثلاً: هذا البيت أربعة وعشرون قيراطاً، الزوجة لها الثمن أي لها ثلاثة قراريط، فهي نسبة حسابية.
والأربعة والعشرون قيراطاً تأتي في الذهب، وتأتي في الفضة، وفي غيرها؛ لأن الأربعة والعشرين عددٌ يمكن أن تؤخذ منه جميع الكسور الموجودة في فروض الميراث (نصف، ربع، ثلثين، ثلث، ثمن، سدس) ، ولهذا اصطلحوا عليها، وكذلك الذهب، عند كونه خالصاً يكون أربعة وعشرين قيراطاً، وعند كونه مضافاً إليه من النحاس أو معدن آخر يقال: فيه قيراط أو قيراطان من النحاس، فإذا قيل: ذهب عيار أربعة وعشرين، فمعناه أنه: خالص، مع أنه ليس هناك ذهب خالص أبداً؛ لأن الذهب وحده لا يصلح للتصنيع إلا قدر اثنين وعشرين قيراطاً، ولابد أن يكون فيه شيء من النحاس حتى يشده؛ لأنه لين.
فإذا قيل: عيار واحد وعشرين، فيبقى فيه ثلاثة قراريط، أي أن: الثمن من معدن آخر، وإذا قيل: عيار عشرين فمعناه أن فيه السدس من معدن آخر.
وهكذا.
وجاء القيراط في الأجور، ففي الحديث (من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا حراسة، نقص من أجره كل يوم قيراط) فلا ندري ما القيراط هنا، لكن لو جعلناه من مجموع عمله، فمعناه أنه إذا كان في اليوم ألف حسنة فإنه يسقط منها واحد من أربعة وعشرين، والله تعالى أعلم.
في هذا الحديث بيَّن لنا صلى الله عليه وسلم وزن هذا القيراط، فليس هو بالجرام، لكن قالوا:(وما القيراطان؟ قال: كالجبلين العظيمين) والجبال تختلف: فهل هي جبال الألب أم جبال الحبشة أم جبال الجزيرة، فإنها تختلف، فعين ذلك صلى الله عليه وسلم بأنه كجبل أحد، ويمكننا أن نشاهده، وهذا من فضيلة الدراسة في المدينة المنورة: أن ترى الشيء بعينك، ولا تحتاج أن يصفه لك جغرافي أو جيولوجي، بل تذهب وتشاهده بعينك.
وكذلك في بئر بضاعة، كان يتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها بكذا وكذا، أبو داود عندما جاء إلى المدينة قال: قد ذرعته سبعة أذرع، أما نحن فلا نحتاج أن تذرعه لنا سبعة ولا ثمانية، فبئر بضاعة قريب منا، يمكن أن نشاهده بأعيننا ونعرف ما هو، وكان موجوداً إلى عهد قريب في مكانه وكان الماء فيه إلى أن وضع عليه البستان.
إذاً: هذا من فضائل دراسة السنة النبوية في المدينة، وعلى سبيل المثال أذكر أنا كنا ندرس الحديث على الشيخ عبد الرحمن لفيق غفر الله له، وحصل لي ظرف سفر ورجعت، فسبقوني ببعض الأحاديث؛ فجئت إليه في بيته أتلقاها عنه، وكان بيته يطل على بئر بضاعة، فعندما نقرأ عن بئر بضاعة أنها بئر بجانب المدينة، قال: أغلق الكتاب، وانظر إلى البئر من النافذة.
فدراسة الحديث في المدينة المنورة لها ميزتها، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم (من راح إلى مسجدي لعلمٍ يُعلِّمه أو يتعلمه، كان كمن غزا في سبيل الله) بل زيادة على ذلك حصول البركة التي يلمسها طالب العلم، فيحصِّل الكثير في الزمن القليل، ويكون أثبت عنده مما لو درسه في غيره.
ثم كلمة القراريط جاءت في مواطن لا ندري ما معناها، وجاءت هنا مبينة، فهل هذا البيان بجبل أحد هو بيان لجميع القراريط في جميع الأعمال أم خاص بقيراط الجنائز؟ الله تعالى أعلم.