[تعيين ليلة القدر والخلاف في ذلك]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) ، متفق عليه.
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: (ليلة سبع وعشرين) ، رواه أبو داود والراجح وقفه، وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولاً أوردتها في فتح الباري.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (قلت يا رسول الله: أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم! إنك عفو تحب العفو فاعف عني) ، رواه الخمسة غير أبي داود وصححه الترمذي والحاكم] .
إن هذا المبحث وهو مبحث ليلة القدر متعدد الجوانب، من ذلك تعريفها، ولماذا سميت ليلة القدر؟ ومن ذلك أيضاً تعيين وقتها ومتى تكون، هل هي في عموم السنة أو في خصوص رمضان أو في العشر الأواخر أو في الوتر منها؟ وهل هي ثابتة أو متنقلة؟ وهل هي باقية أو رفعت وماذا يقول من صادفها؟ وهل لها علامات؟ وما هو فضلها؟ كل ذلك يتناوله العلماء بتوسع.
ومما توسعوا فيه موضوع تعيينها، وهذا الموضوع يهم الجميع، وقد ذكر لنا المؤلف أنه أورد أربعين قولاً في تعيينها في فتح الباري، ونقلها عنه الشوكاني وزاد عليها أربعة أقوال، فتحصل بذلك أربعة وأربعون قولاً في تعيينها.
وفي الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله: (بأن رجالاً أروا في منامهم أن ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان -أي: السبع الأخيرة من العشر الأواخر من رمضان- وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: أرى -أي: أظن- أن رؤياكم قد تواطأت) ، التواطؤ هو كما يقول العلماء: التطابق، كالوطي على الوطي تواطأت، تضع القدم على القدم تتابعه، فتواطأت رؤياكم أي: اتفقت رؤياكم، على أنها في السبع الأواخر من رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم: (فالتمسوها في السبع الأواخر من رمضان) .
ففي رؤياهم إياها تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لهم عليها، ثم أصدر التشريع من قوله لا من رؤياهم فقال: (التمسوها) ورؤيا المؤمن قد جاء في الحديث عنها: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، يراها الرجل الصالح أو ترى له) وقال العلماء: هذا العدد الذي هو جزء من ستة وأربعين، ليس من خمسة وليس من أربعة ولا من سبعة قالوا: لأن رسالة محمد صلوات الله وسلامه عليه كانت مدتها ثلاثاً وعشرين سنة: منها ثلاث عشرة سنة بمكة، وعشر سنوات بالمدينة، وكانت مدة تحنثه في الغار قبل أن يأتيه الوحي بالرسالة ستة أشهر، فقالوا: إذا قسمنا الثلاث والعشرين سنة على نصف فسيكون فيها ستة وأربعون نصفاً؛ لأن الستة الأشهر نصف السنة، إذاً: نسبة مدة تحنثه صلوات الله وسلامه عليه من مدة الرسالة كاملة نسبة واحد من ستة وأربعين، وكان صلوات الله وسلامه عليه في مدة تحنثه -أي: تعبده وانقطاعه- في غار حراء يرى الرؤيا، فإذا رأى الرؤيا جاءت من الغد كفلق الصبح واقعية، فكانت الرؤيا تصدق في تلك المدة، فقال صلى الله عليه وسلم مبيناً: (إن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) .
وكان صلوات الله وسلامه عليه إذا صلى الصبح سأل أصحابه: (أيكم رأى رؤيا البارحة؟) فيقصون عليه ما رأوا ويعبرها لهم.