والله سبحانه وتعالى بين توقيت العبادات من باب خطاب الوضع؛ لأن خطاب الشرع ينقسم إلى قسمين: خطاب التكليف، وخطاب الوضع.
فخطاب التكليف هو: الذي فيه الأمر والنهي بالتشريع أو التحريم.
وخطاب الوضع هو: العلامة أو الشرط أو المانع المتعلق بهذا العمل الذي كُلف به المسلم.
فقوله سبحانه وتعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:٤٣] هذا خطاب تكليف، كلف فيه المسلم أن يقيم الصلاة وأن يؤتي الزكاة، وقوله سبحانه:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة:١٨٣] خطاب تكليف؛ كلف فيه المسلم بالصوم.
ولكن تحديد متى نصوم ومتى نصلي يجيء بيانه بخطاب الوضع، فقال سبحانه:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة:١٨٥] ، فعين لنا زمن الصوم الذي فرض علينا، وكذلك قال:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء:٧٨] ، فهذا خطاب وضع من جهة بيان وقت الصلاة، فنصلي لدلوك الشمس، وهو تحركها بعد الاستواء عن كبد السماء إلى جهة الغرب، {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} أي: ظلمة الليل.
فدلوك الشمس شمل الوقت المشترك لصلاتي: الظهر والعصر، وغسق الليل شمل الصلاتين المشتركتين في ذلك الوقت وهما: المغرب والعشاء، ثم قال:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} وهو: مشتمل على صلاة الصبح، فهذا الخطاب الذي بين أوقات الصلوات يسمى: خطاب وضع، والخطاب الذي جاء بتكليف المكلف بالواجب عليه في العبادات هو خطاب تكليف.
كذلك الحج، قال الله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:٩٧] فهذا خطاب تكليف، فعلى كل مستطيع أن يحج، ولكن متى نحج؟ جاء خطاب الوضع في قوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:١٩٧] ، فبين لنا وقت الحج، والسنة بينت أنه من أول شوال، فيجوز الإحرام في شوال، وذي القعدة، وجزء من ذي الحجة، وهذا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم.