[موقف أمهات المؤمنين من زواج النبي بأسماء بنت النعمان]
نأتي إلى ما هو أخطر وهو زواجه من أسماء بنت النعمان -من كندة- وكان النعمان -وهو سيد قومه- وفد ضمن الوفود التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام تسع من الهجرة عام الوفود، حتى إن ابن كثير يقول: إن الذئاب قد أرسلت وفداً لها إلى رسول الله.
ويذكر في الخبر: بأنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه، فجاء ذئب يخطر من بعيد حتى دنا من القوم، فأقعى وحرك ذنبه ورأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا وافد الذئاب إليكم، ماذا تنزلون له من أغنامكم ويكون بينكم مسالمة، قالوا: والله ما نعطيه ولا شيء.
فقال: اذهب وهه! هه! يعني: اختلس ما استطعت) .
فعام الوفود كانت كل القبائل ترسل فيه وفودها، وهي: إما قبيلة لم تسلم فتعلن إسلامها كثقيف، التي جاءت في العام التاسع، ونزلوا في المسجد النبوي.
إلخ، وإما أن تبعث وفوداً تجدد العهد على الإسلام والتزامهم بذلك، فجاء وفد كندة وفيهم النعمان، وكانت ابنته -وصاحب الإصابة يذكر في قول أنها أخته- وكانت من أجمل نساء العرب وأشبهن، فزوجها رسول الله، ثم أرسل بها إليه، تقول حفصة وعائشة: فلما رأيناها قلنا فيما بيننا: لقد وضع يده في العرب، وسيصرفنه عنا، والله لن يراها رسول الله إلا وانصرف إليها، فقامت عائشة وخضبتها، وقامت حفصة ومشطتها وهيآها لرسول الله -انظر المقدمات! - ثم قلن لها: إذا أردت أن تكوني ذات حظوة عند رسول الله ويكرمكِ ويحبكِ إذا أقبل عليك فقولي له: أعوذ بالله منك -يا سبحان الله! - والمسكينة ظنت أن هذا يقربها عند رسول الله، فامتثلته بغية الوصول إلى رضا رسول الله، فأخذ بكمه على وجهه وقال: (لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك) فلما رجعت كانت تقول: سموها الشقية؛ لأنها حرمت ذاك الفضل العظيم.
هل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة سألها من أمرك بذلك، من علمك هذا؟ هل عتب على حفصة وعائشة فيما فعلنه؟ لا؛ لأنه أدرك أن الدافع لهذا هو الغيرة، والغيرة ناشئة عن الحب والحرص على رسول الله.
نأتي إلى موضوع قصعة الطعام، وتحري الناس الهدية وبالطعام ليلة عائشة مرضاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عند بعض زوجاته، فصنعت إحدى أمهات المؤمنين طعاماً، وقلنا وكان من أحسنهن في الطعام صفية وحفصة، وهي رضي الله تعالى عنها تقول: ما رأيت صناعاً للطعام كـ حفصة، ثم جاءت قصعة حفصة قبل قصعة عائشة، تقول: فصنعت له طعاماً، وصنعت حفصة طعاماً، فجاءت قصعة حفصة قبل قصعتي.
وهناك روايات متعددة، والتحقيق: أن القصة بذاتها تعددت مع حفصة، مع صفية، مع سودة.
أربع مرات.
فلما انكسرت القصعة أمسكها الرسول، وجمعها نصفين، وفي بعض الروايات (قال: كلوا، غارت أمكم) ، وفي بعضها: (وضع الطعام على النطع -السفرة الممدودة-) ، وقيل: كان من الحيس -يعني: ليس مرقاً يتدفق- ثم جاءت قصعة عائشة التي كانت متأخرة، فدفعها بما فيها من الطعام للرسول الذي جاء بالقصعة الأولى، وفي بعض الروايات: قالت عائشة لما جاءت وبيدها فهر وضربت القصعة فكسرتها فانتبهت، وأدركت ما فعلت، قالت: ما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: (قصعة بقصعة وطعام بطعام) .
ونقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم تدارك الموقف بالحكمة والتأني، وهل أحد من الحاضرين أو الغائبين وقف على نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المواقف أنه عنف على إحدى زوجاته أو سبها؟ لا والله؛ لأنه أدرك الدوافع، وأن القضية قضية صافية، والقلوب طاهرة، ويكفي أن عائشة قالت في الحال: ما كفارة ذلك يا رسول الله؟ لو أنها من النساء الأخريات ما عليها انكسرت أو لا، وتصر على موقفها، ما هذه فقد تذكرت وتراجعت واعترفت وطلبت الكفارة.