[باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه]
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال (صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام وسْطها) متفق عليه.
هذا شروع في كيفية الصلاة على الجنازة، وذلك أن الميت إما أن يكون رجلاً أو امرأة أو أن يكون عدد من الموتى رجالاً أو نساءً، أو رجالاً ونساءً، فأين يكون موقف الإمام من الجنازة إن كانت واحدة رجلاً أو امرأة؟ وكيف توضع وترتب الجنائز إن اختلفت وتعددت، هنا يقول: (صليت وراء النبي على امرأة ماتت في نفاسها، فقام وسطها) الوسْط بالتسكين للمحسوس، والوسَط بالحركة للمعنوي، خير الأمور الوسَط، تقول: جلس فلان وسْط الدار، جاء يمشي وسْط رجلين، فبالتسكين للمحسوس، وبالتحريك للمعنوي، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم في وسْطها، لم يقف عند رأسها، ولا عند قدميها، بل في الوسْط، وهذه هي: سنة الموقف عند الصلاة على المرأة.
وإذا كان الميت رجلاً فإنه يقف عند كتفيه، أو في الجانب الذي يلي الرأس وليس في الوسْط، وإذا كان هناك جنازات متعددة، فإن كانوا رجالاً جعلوا الأفضل مما يلي الإمام، وقال قوم: الأفضل يقدم إلى القبلة، كما جاء: (قدموا أكثرهم أخذاً للقرآن) في دفنهم في القبر.
وإذا كان هناك رجال ونساء فإنهم يجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة، هذا مجمل ما في المسألة، وسيأتي له تتمة إن شاء الله في ترتيب الصلاة على الجنائز المتعددة.
هناك صورة تكلم عنها صاحب وفاء الوفاء، وهو إذا تعددت الجنائز هل نرصهم بالطول، بحيث يكون رأس هذا عند رجلي ذاك، أو نرصهم يميناً ويساراً إلى عرض المسجد، أو نرصهم شمالاً وجنوباً هذا بجانب هذا، ورأس هذا محاذاة لرأس ذاك، وأقدام هذا محاذاة لأقدام ذاك؟ الذي عليه الجمهور أنهم يرصون الأول والثاني مما يلي القبلة في عرض واحد وتكون رءوسهم متساوية من جهة الرءوس، وأقدامهم متساوية من جهة الأقدام، لا أن يمددوا الواحد تلو الثاني إلى اليمين واليسار.
وهناك تتمة لكيفية وقوف الإمام بالنسبة للرجل، وهو أن يكون عند صدره، وهذه المسألة لها صور بالنسبة للواقع مختلفة؛ لأن الجنازة إما أن تكون واحداً: رجلاً أو امرأة، أو متعددة رجالاً أو نساء، أو متنوعة رجالاً ونساء، فإذا كانت الجنازة واحدة فالمرأة يقف الإمام وسْطها، والمصلون يصفون من وراء الإمام، والقاعدة يا إخوان! بهذه المناسبة أن صفوف الصلاة في الجماعة تبنى وتنشأ من خلف الإمام مباشرة، ثم تمتد من اليمين ومن اليسار، لأننا ربما نجد بعض الإخوان في صلاة الجماعة (الصلاة العادية) يصفون من طرف الصف من الميسرة أو من الميمنة، وهذا خطأ، وصحة بناء الصف الجديد أن يبدأ من خلف ظهر الإمام، ثم يمتد يميناً أو يساراً، وهكذا في صلاة الجنازة، الإمام يقف في الموضع الذي بيَّنه الفقهاء ابتداءً من هذه المرأة، يقف وسْط المرأة والمصلون يصفون وراءه يميناً ويساراً.
وتقدم بأنه كلما كثرت الصفوف، ولو لم تكن مكتملة إلى النهاية، فهو أفضل بالنسبة للجنازة، أما الصلوات الخمس فأتموا الصف الأول فالأول.
فالحاصل في الوقوف على الجنازة أن المرأة يوقف عند وسطها، والرجل عند صدره، فإن كانوا رجالاً متعددين، فمهما كان العدد فيصلى عليهم صلاة واحدة بأربع تكبيرات، ولكن كيف يُصَفون أيُصَفون تباعاً من القبلة إلى الإمام ويتأخر الإمام إلى الوراء؟ أم يُصَفون سلسلة، بحيث يكون رأس كل واحد عند قدمي الآخر، ويمتدون يميناً ويساراً بالنسبة للإمام؟ الذي عليه الجمهور أنهم يرصون تباعاً، يبدأ بالأول من جهة القبلة ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ويكون الإمام عند الأخير منهم، وتتحاذى رءوسهم وأقدمهم، ويصلي على الجماعة كما يصلي على الواحد أربع تكبيرات على ما سيأتي، ويقف أيضاً عند محاذاة صدر الأخير في الرجال، وإن كن نساء كان الوضع أيضاً تباعاً، ويقف وسْط المرأة الأخيرة، هذا إذا كان الجنس واحداً.
فإذا كانت الجنائز رجالاً ونساءً، فالجمهور يقولون: يقدم النساء إلى القبلة، أي: يبعدن عن الرجال، ويكون الرجال وراء النساء مما يلي الإمام، فالنسوة يقدمن إلى القبلة، والرجال يكونون حاجزين بين جنائز النسوة وبين الإمام والمصلين.
وبعضهم يقول وهو خلاف الجمهور: العكس؛ لأن الرجال أفضل، فيقدمون في الصلاة، ولكن المسألة ليست بالأفضلية، لأننا نظرنا المغايرة في الموقف بين الرجل والمرأة، ولم ننظر في الأفضل.
إذاً: ما قاله الجمهور هو السنة المتتابعة أو المنقولة، وعليها عمل الجماهير.
فإذا وجد طفل فأين يوضع؟ قالوا: إذا وجد طفل دون السابعة فإنه يوضع مع تلك الجنائز؛ سواء مع امرأة أو مع رجل، فإن كانت هناك امرأة والطفلة أنثى فتوضع مع المرأة على خشبتها (على جنازتها) وإن كان الطفل ذكراً، وكان الميت رجلاً وضع مع الرجل على جنازته، وإن كانت امرأة وحدها ويوجد طفل وكان صغيراً وضع معها على الخشبة التي هي عليها، وكان تبعاً لها في الصلاة.
هذا هو ترتيب وضع الجنائز في صلاة الإمام عليها، واحداً أو واحدة، أو جماعة ذكوراً أو إناثاً، أو كانوا من الجنسين معاً.
والله الموفق.