إذاً فالسدر من المجاور لا المخالط، والفقهاء عندهم قاعدة: إذا تغير الماء بمجاور فلا يسلب الماء حكم الطهورية، وإذا تغير بمخالط سلبه، ومثال هذه المجاورة: لو أن هناك -كما يقولون- غديراً صغيراً وعليه أشجار، فتساقط ورق الشجر فيه، فتعفن، هذا الورق لم يخالط الماء ولم يمتزج بذرات قطرات الماء، ولكنه بجواره فتغير برائحته، قالوا: هذا متغير بمجاور وليس بمخالط فلا يسلبه الطهورية.
وقالوا كذلك في النفط، لو وقع القاز في الماء فلا يسلبه الطهورية، وكذلك لو وقع الأزفلت، وكذلك الكافور، فإنه لا يذوب في الماء، وجميع الزيوت لا تذوب في الماء، إنما تكون على وجهه، أو في جانب من جوانبه، ولا تمتزج بالماء أبداً، إلا بطريقة معينة يعرفها أهل الاختصاص في الصيدلة لها طريق خاص، فعلى هذا قالوا: الماء المتغير بمجاور لا يسلبه الطهورية.
إذاً: النقاش في كون السدر في الماء عند غسل الميت يسلبه الطهورية ويجعل الغسل للنظافة لا محل له أبداً, فسيد الخلق صلى الله عليه وسلم أنظف الناس، وقد غسل على تلك الحال.
وهناك من يقول: الأمر تعبدي؛ لأننا لا ندري ما الحكمة، وكونه يقول (اجعلن في الأخيرة كافوراً) لماذا خص الكافور بالأخيرة؟ الآن له رائحة؟ ورائحته نفاذة قوية، كما يقولون: عطر طيار يطير في الهواء، لو تركت قطعة دهن الكافور معراة للهواء فإنك بعد فترة لا تحصلها، مثل (النفثالين) الذي يضعونه لحفظ الصوف، لو تركته لتبخر مع الهواء، فيقول بعض العلماء: إنما جعل في الأخيرة بعد أن استوفى الغسل المشروع بغسلات ماء طهور.
وبعضهم يقول: لأن الكافور له خصوصية تتناسب مع حالة الميت، منها: أنه يلين الجلد، ومنها: أنه يحفظ الجلد من التأثر، ومنها: أن رائحته لا تقوى عليها الحشرات، فلو تأخر دفن الميت وقد جعل في تغسيله كافور فلا تقربه الحشرات، لا نمل ولا ذر ولا شيء يقترب منه؛ لأن رائحة الكافور تطردها.
إلى غير ذلك من التعليلات التي من أجلها جعل الكافور في غسل الميت وفي الغسلة الأخيرة.