وقوله:(والضيف) ، المراد ضيف الوالي على الوقف، وهو الناظر، مثلاً: الناظر مقيم في النخل، فورد عليه ضيف، فللضيف حق الأكل من هذا الوقف؛ لأن الضيف مثل ابن السبيل، وقد يكون استضاف صديقه أو قريبه.
وقد حث الإسلام على إكرام الضيف والضيافة، لها أحكامها الخاصة، قال عليه الصلاة والسلام:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه،.
فليقل خيراً،.
فليكرم جاره) .
وإكرام الضيف من مكارم الأخلاق، وهو من بقايا شيم العرب، وتعرفون أخبار حاتم في الكرم، وقصة الحطيئة لما أكرم ضيفه وقال له: يا أبت اذبحني وهيئ له طعماً والقصيدة طويلة، فكان العرب يعنون بإكرام الضيف، وكانوا يتغنون بذلك، وكما قال الآخر: وبات على النار الندى والمحلق والمحلق هذا كان عنده عدة بنات، وما جاءه خاطب لهن، فقدم بعض الشعراء ونزل عنده، فما اهتم له كثيراً، فقيل له: هذا الشاعر فلان، فحالاً أكرمه بزق من الخمر، وبشاة مشوية، فقام يمتدحه بقصيدة فيها: وبات على النار الندى والمحلق والندى: يعني الكرم، فشاعت القصيدة في العرب، وبعد مدة خطبت بناته كلهن.
يهمنا الكرم وأثره، والضيف له حق، كما في الحديث، وقال بعض المتأخرين: إن الضيف له حق ثلاثة أيام، فاليوم الأول فرض، والثاني مندوب، والثالث كذا، وما عدا ذلك فهو صدقة.
وعمر رضي الله تعالى عنه لما فتح بيت المقدس شرط على الرهبان، وعلى أصحاب الصوامع: أن يضيفوا من مر عليهم من أبناء السبيل، وبعض المتأخرين يقول: انتهى أمر الضيافة؛ لأنها كانت عندما كان الغريب لا يجد ما يأكل وما يشرب، وبعضهم يقول: لا، من كان مقيماً في صحراء، وعنده سعة؛ فالضيافة عليه واجبة، وإن كان في مدينة من المدن، وفيها الفنادق، وفيها المطاعم؛ فلا تجب الضيافة على أحد؛ لأنه إن لم يستضفه أحد سيجد في الفندق والمطعم ما يسد به حاجته، وفي ذاك الوقت لم يكن هناك فنادق ولا مطاعم ولا مخابز، ولا غيرها مما يسد الغريب حاجته فيها بما في يده، وقد يكون معه الثمن لكن لا يجد من يبيعه، فتجب حينئذ ضيافته، فالأماكن التي لا يجد الغريب فيها حاجته بالثمن، فالضيافة واجبة على أهلها.
ونعلم بقصة الرهط الذين نزلوا عند حي، فأبوا أن يضيفوهم، وسلط الله العقرب على سيد ذاك الحي، وقضية الخضر عندما أقام الجدار في القرية التي أبى أهلها أن يضيفوهما، فهذا عيب عليهم من ذاك التاريخ، وهذا يدل على أن الضيافة ثابتة في الأمم جميعاً.
فإذا كان الغريب لا يجد ما يطعمه وما يأويه تعينت الضيافة، وإذا كان يجد ذلك بالنقد أو بالمروءة ما يطعم ويأوي فلا حق في الضيافة بالفرض على أحد.