وبهذا تكون مشروعية المسح على الخفين سمة من سمات أهل السنة، ويكون المنع من المسح سمة من سمات تلك الطوائف التي تغاير أهل السنة، ومن الطرف أن الحسن بن علي بن زيد عتب على كاتب عنده فحبسه وصادر ماله، فكتب إليه هذا الكاتب من السجن يعتذر في أبيات، ومما قاله في هذه الأبيات - وكان قد اتهم بالتشيع -: إلى الله أشكو ما لقيت محبة قوم بهم بليت إلى أن قال: أمسح خفي ببطن كفي ولو على جيفة وطيت فجعل كونه يمسح على خفه تبرئة له من تلك الطوائف التي اتهم بها، ودليل أنه من أهل السنة أنه يمسح على خفيه.
إذاً: أخذ موضوع المسح على الخفين حيزاً واسعاً، وإن كان المسح رخصة - كما سيأتي في حديث صفوان بن عسال:(رخص لنا) - فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله يرى وجوب المسح عند قوم ينكرونه ليظهر السنة عندهم.
والبحث في المسح على الخفين يتناول؛ المشروعية - وقد أشرنا إليها بأحاديث التواتر -، وكيفية المسح، ونوعية الممسوح عليه، والتوقيت له حضراً وسفراً، وزمن الرخصة فيه، ومن أي شيء يمسح عليه - الحدثان الأصغر والأكبر، أم الأصغر فقط -، وبأي الطهارتين؛ المائية والترابية، أم المائية فقط، هذه جوانب مباحث المسح على الخفين.
نأتي إلى هذا الحديث الأول الذي صدر به المؤلف رحمه الله هذا الباب؛ لأنه يعتبر الأصل في المشروعية، وفي الكيفية، وفي بعض الشروط له.
يقول: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم) ، متى كان معه، وفي أي مكان؟ تأتي نصوص أخرى أن ذلك كان في غزوة تبوك، وغزوة تبوك متى كانت؟ كانت في السنة التاسعة، وآية المائدة متى نزلت؟ نزلت في غزوة المريسيع سنة أربع، إذاً: فحديث المغيرة بعد نزول آية المائدة بخمس سنوات، فلا يمكن أن يدعى بأن المسح نسخ بآية المائدة؛ لأن آية المائدة نزلت قبل زمن، ثم بعد خمس سنوات يأتي المغيرة وينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح، إذاً: فلا مجال لادعاء النسخ هنا أبداً، وانتهت قضية الإشكال في الخلاف أو النزاع، إلا من أصر واتخذ جانباً لنفسه.