أصل المبحث في الإقالة هو حول نقطة أصولية هي: هل الإقالة بيع أم فسخ؟ إن قيل: إنها بيع فيجري فيها أحكام البيوع، وإن قيل: فسخ، فتجرى عليها أحكام الفسخ بأن يرجع الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد: يأخذ المشتري الثمن الذي دفع، ويرد السلعة التي أخذ، أما إذا قلنا: إنها بيع، دخلتها المساومة أرد الكتاب؟ كم ستدفع؟ كم ستنزل من الثمن؟ أعطيك واحد في المائة ورد الباقي، أو البائع ندم وجاء إلى المشتري وقال: ندمت على بيعه لأنه ليس عندي غيره.
أي: أن الندم قد يكون من البائع أو من المشتري، فكلٌ منهما قد يعتريه الندم، وقد يضطر إنسان أن يقدم سلعة للبيع لضرورة نزلت به، وهذه السلعة من ألزم ما تكون عليه، ثم يندم ويستعيض عنها ويريد أن يرجعها، كرجل اضطر إلى مال وليس عنده، فجاء لزوجه -وكانت خيرة- فقالت له: خذ، بع هذا.
فأخذه على استحياء وانكسار نفس، كيف يحتاج ويمد يده إلى مال الزوجة، وهو الذي قد أعطاها إياه منحة من عنده؟ لكن للضرورات أحكام، فذهب وباع.
بعد قليل جاء الله بالفرج من جانب آخر؛ فندم على بيع ما كان لا ينبغي أن يبيعه، فجاء إلى المشتري وقال: أنا ندمت، بعتك المصاغ في حالة اضطرار، والآن فرج الله الأمر، وأريد أن أرد المصاغ لأهله.
إذاً: الندم جاء من البائع، كما أنه يأتي من المشتري، وحينئذ المشتري أيضاً يكون كريم النفس، طيب الأصل، ينظر إلى حاله، فيعذره في ندمه، ويقول: لا عليك رد القيمة، فيرد إليه كامل القيمة.
الإقالة: هي رد المبيع واسترجاع الثمن، لكن ما حكمها المترتب عليها، هل هي بيع أم فسخ؟ إن قلنا: فسخ؛ فإن الأمر يرجع إلى ما قبل العقد، ولا يترتب عليها ما يترتب على البيع، فمثلاً: شخص له شقص في بيت فباعه، وكان الشريك غير راغب في الشفعة، وترك الشفعة وسقطت شفعته؛ لأنه لم يبادر إليها، ثم علم أن البائع الذي هو شريكه استقال المشتري واسترجع الشقص لملكه، فرجع شريكاً له مرة أخرى، ولو قلنا: الإقالة بيع، فللشريك أن يأخذها بالشفعة، وإن قلنا: فسخ، فليس له حق أن يقول: أنا آخذ الحصة بالشفعة، فنقول له: هذا فسخ للعقد، ورجعت الحصة إلى ما كانت عليه لصاحبها، فليس بيعاً.
وإن كان طالب الإقالة المشتري، وجاء ليرد السلعة إلى صاحبها: بكم اشتريتها؟ بمائة، كم تسقط من الثمن؟ قال: عشرة في المائة أنت تأتي لترد والثاني والثالث يرد، ماذا أستفيد أنا؟ اشتريت بمائة أنا أقبل أن أرد لك السلعة وآخذ عشرة في المائة من قيمتها، إن قلنا: الإقالة فسخ فلا يحق له أخذ شيء، وما دفعه المشتري يأخذه كاملاً، وإن قلنا: بيع، فلا مانع من المساومة من جديد، كما لو كانت الإقالة من البائع: أنا بعتها عليك بمائة، ردها علي وأعطيك عشرة فوق المائة، فإذا قلنا: إن الإقالة بيع، جاز فيها الزيادة والنقص على سبيل المبايعات: مساومة ومزايدة ومناقصة، وإن قلنا: فسخ؛ فلا دخل للزيادة ولا للنقص فيها، وإن قلنا: إنها بيع دخل حق الشفعة للشفيع، وإن قلنا: إنها فسخ لا دخل للشريك بالشفاعة فيها.
إن قلنا: إنها بيع، ووجد عيب لم نطلع عليه من قبل؛ فللمشتري عوض الأرش في العيب على أنه بيع، وإن قلنا: هي فسخ؛ فسلعتك ترجع إليك على ما كانت هي عليه.