للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شمول الإقالة لأبواب المعاملات]

الرسول صلى الله عليه وسلم رَغّب في الإقالة وحث عليها؛ لبقاء الألفة والمودة والأخوة بين المتبايعين، وقد لا يخلو منها سوق من الأسواق، وكثير من الناس ربما يعرض له ما يجعله يرجع عن هذا العقد؛ فالذي ينبغي على المسلمين أن يراعوا هذا الحديث، وأن يعامل بعضهم بعضاً بهذا الإرفاق.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (أقال الله عثرته) ، الجزاء من جنس العمل، والعثرة: هي ضربة اصطدام في حجر أو نحوه، يعثر قد يسقط ويجرح، ثم عممت في كل زلة وخطأ يرتكبه الرجل، يقال: هذه عثرة من فلان.

أي: في هذا التصرف أو العمل أو الممشى، فلو أن إنساناً أخطأ عليك.

كانت هذه زلة وعثرة، ثم جاء واعتذر إليك، عندها ينبغي أن تقيل عثرته وزلته وتقبل اعتذاره، وهذا من إقالة أخيك في ما ندم عليه، مما ارتكبه في حقك، وهكذا تدخل في كل العلاقات بين الأصدقاء والإخوان؛ لتبقى أصول المودة، وليست قاصرة على البيع والشراء، ولكن أصل البحث فيها في البيع والشراء لضمان الحقوق واسترجاعها، وقد تعمم بأكثر من ذلك لما بين الناس وبعضهم من الصلات.

ومن أحسن ما ورد في باب إقالة العثرات: ما جاء عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما مع محمد ابن الحنفية أخوه لأبيه، محمد ابن الحنفية أمه من بني حنيفة، والحسن بن علي أمه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الخبر: كانا معاً في السوق، فحدث بينهما ما يقع بين الإخوة، وذهب كل منهما إلى بيته، فلما استقر محمد ابن الحنفية في بيته أخذ ورقة وكتب فيها: من محمد ابن الحنفية إلى الحسن بن علي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

انظروا إلى هذا الأسلوب، هو ابن علي، فلماذا لم يقل: محمد بن علي؟ هضم نفسه إلى أقصى حد وانتسب إلى الجارية، ونسب أخاه إلى أعلى حد بـ علي ابن عم رسول الله.

وابن بنت رسول الله؛ لأنه في معرض التكريم والإصلاح.

أما بعد: تعلم ما كان بيني وبينك في السوق، وقد رجعنا إلى بيوتنا، ولقد هممت بعد العودة أن آتيك وأستسمح منك، وأستقيلك ما كان مني، ولكني تذكرت مكانك من رسول الله - فهو ابن بنت رسول الله، وابن علي ابن عم رسول الله- فكرهت أن أكون بمجيئي صاحب فضل عليك، فإذا أتاك خطابي هذا فخذ ثيابك، وشد نعلك، وائتني أنت في بيتي ليكون لك الفضل علي.

انظروا إلى مكارم الأخلاق! استكثر أن يكون له الفضل على الحسن بن علي ابن بنت رسول الله بأن يأتيه في بيته، هذا يد وفضيلة ومنة، قال: لا، أنا لست كفئاً أن تكون لي عليك يد ومنة وأنت ابن بنت رسول الله، وهذه المكرمة يجب أن تكون من ابن بنت رسول الله علي أنا، لأني أنا ابن الحنفية.

إذاً: إقالة عثرات الإخوان تكون في كل الأمور.

والله سبحانه وتعالى أعلم.