إذاً: النهي عن بيع ما في بطون الأنعام، والنهي عن بيع ما في الضروع من الحليب قاعدة أساسية عند الفقهاء، يندرج تحتها كل ما تجدد من أنواع السلع، فتعرض على الجهالة، فهذه صناديق -كما قلنا- لكن لا ندري عن نوع الصناعة، قد يقول: هو جلد أمريكي ممتاز، ولكن لا ندري عن نوع الخياطة والصناعة، وعن الحجم عريض المقدمة أو خفيف المقدمة وهكذا، أو هذه صناديق فنايل، صفتها كذا، صناعة المحلة الكبرى -كما يقولون- أو صناعة إنجليزية، ولكن هل نوع الغزل رفيع أو متين؟ ونحو ذلك، وكذلك في المطعومات، ما لم يكن هناك ما يسمى: الأنموذج.
فمثلاً: جاءك إنسان بمائة علبة حلاوة طحينية، وقال: العلبة هذه فيها كيلو، أبيعك المائة علبة بكذا، لكن الحلاوة الطحينية منها الناعم جداً الممتاز، ومنها الخشن، ولا أدري هذا من أي الأنواع، فقال: فك هذه وانظرها وتذوق منها، فنظرت وعرفت واقتنعت بالنوعية الموجودة أمامك، فاشتريت المائة علبة، فهل من المعقول أن تكلفه أن يفتح المائة علبة لتنظر فيها؟! قد تكون ملحومة وملصقة حتى لا يأتيها الهواء فتفسد، فيضحي بواحدة ليريك، فاشتريت المائة وذهبت وأخذت النموذج وذهبت بها إلى متجرك وبعتها على هذا النموذج، فلو تبين أن أحداً أخذ منك عشر علب وفتحها فوجد منها خمساً على غير النموذج، فهذه الخمس مغايرة للمتفق عليه في العقد، والمشتري سيرجع عليك؛ لأنك بعته على هذا النموذج، وأنت ترجع على البائع الذي باعك على هذا النموذج، إذاً: انتفى الغرر، ولكن إذا لم تر لها نموذجاً، ولم تعلم لها نوعية ولا كيفية بالوصف، فإنههم يقولون: ولو بالوصف، فإذا لم يأت بنموذج، ووصفها بصفات شاملة كاملة، كما لو أراد أن يبيع أكواب الشاي، فقال: هي صناعة كذا، طولها كذا، وقطر الدائرة كذا، والزجاج صفته كذا، وذكر الأوصاف التي تشتمل عليها الأكواب بحيث أننا لو فتحنا ونظرنا لا يختلف المنظر عن المخبر، فإذا تم ذلك صح البيع، وإن رأيت خلاف الوصف فأنت بالخيار: فإما أن تأخذ وتسترجع قيمة النقص -وهو الأرش- أو ترد السلعة وتأخذ حقك.
إذاً: النهي عن بيع ما في بطون بهيمة الأنعام، والنهي عن بيع ما في الضروع قاعدة فقهية عامة، ومن هنا نقول: ليس في الفقه طريق مسدود، وليس هناك جديد على الفقه في الإسلام؛ لأنه مهما تجددت أنواع وصور السلع ومبيعاتها ستجد لها أصلاً فيما جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قعده علماء المسلمين، وإن واجهت الإنسان مسألة فسيجد لها أصلاً وحلاً في كتب الفقه، وإن لم يجد لها حلاً في كتب الفقه، فإن مردها إلى اجتهاد الفقهاء، ولذلك فإن باب الاجتهاد مفتوح، فيجتهد أهل الخبرة والفقهاء والعلماء في مواصفات هذا الشيء الجديد، وأي الأصناف أقرب إليه في القديم فنلحقه به، فإن سعة الفقه الإسلامي بالقواعد العامة لا بالجزئيات.