[شركة المضاربة]
القسم الثالث: شركة المضاربة: وهذه الآن موجودة بكثرة، وشركة المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض، وهي: أن يكون المال من جانب، والعمل من جانب آخر.
مثلاً: شخص يأتي بألف أو عشرة آلاف ريال أو أكثر أو أقل، ويعطيها لشخص متدرب يعرف ويحسن أعمال التجارة، فيقول له: خذ هذه اتجر فيها والربح بيننا، وعلى أي نسبة؟ على ما اتفقا عليه.
إن قالوا: للعامل النصف، فيبقى النصف للثاني.
وإن قالوا: للعامل الثلث، فيبقى ثلثان للثاني.
وإن قالوا: ثلثان للعامل، فيبقى الثلث لصاحب المال.
ولماذا على ما اتفقا عليه؟ قد يكون هذا الشخص العامل جيداً، ويمكن أن يفتح الله عليه، ويرزق الله الجميع على يده، ويستفيد صاحب المال وهو جالس في محله.
فهذه شركة المضاربة.
في شركة العنان الربح بينهما على ما شرطاه، والوضيعة والخسارة بينهما على قدر رأس المال، ما فيها شرط، كل دفع ألف ريال، فالخسارة بالنصف، والربح على ما شرطاه، والربح لا يتبع رأس المال، ولكن يتبع الشرط الذي يتفقون عليه، أما الخسارة فهي تبع لرأس المال، فإذا كان الأول دفع ألف ريال، والثاني دفع خمسة آلاف ريال، واتفقا على أن الربح مناصفة، فإذا حصلت خسارة فهل تكون مناصفة، الخمس وأربعة أخماس؟ تكون حسب رأس المال، فالأول دفع ألف ريال، والثاني دفع خمسة آلاف، فيكون السدس على صاحب الألف، والخمسة أسداس على صاحب الخمسة.
ولو أحدهما دفع عشرة آلاف والثاني دفع أربعة آلاف، فيبقى أربعة من عشرة، هذا عليه أربعون في المائة من الخسارة، وهذا عليه ستون في المائة من الخسارة، وأما الربح فبحسب الشرط.
وفي شركة المضاربة الربح بينهما على ما شرطاه، والخسارة كلها على صاحب رأس المال، والعامل لا يتحمل من خسارة رأس المال شيئاً، وهذا فيه عدالة، وليس فيه ظلم.
فالخسارة كلها على رأس المال، والربح بالاشتراك.
ولا يوجد في هذا غبن، إذا كان صاحب رأس المال حصلت عليه خسارة عشرة في المائة بعد سنة، فالعامل خسر جهده سنة كاملة؛ لأنه ليس له أجرة على صاحب رأس المال، إنما علاقته بهذا العمل، وما يحصل من الربح يأخذ منه حصته، وإذا ما حصل شيء من الربح فما له شيء.
فإذا وقعت خسارة فالخسارة على صاحب رأس المال، والعامل يكفيه أنه لم يحصل على شيء، فيكونان متعادلين بلا ظلم ولا غبن.
وهذه الشركة لها شروط منها: أن يسلم رأس المال، وأن يكون معلوم المقدار، وإذا شرط صاحب المال على العامل نوعاً خاصاً من التجارة فلا يصح، فقد يكون هذا النوع لا يمشي في السوق، بل اترك له الاختيار، لكن إذا نهاه عن نوع معين وجب عليه أن يمتنع، فإذا قال: لا تضع رأس مالي في ذي كبد رطب، فيحرم عليه أن يتاجر في ذلك، وإذا جعله فيه فهو ضامن.
والمراد بذي كبد رطب: الحيوان، فلو اشترى ثلاثمائة شاة، وجلبها من المنطقة الشرقية إلى الغربية، وفي نصف الطريق مات نصفها، عطش أو تعب ومات، فمن يضمن هذا؟ هو قال له: لا تحطها في ذي كبد رطب، ثم هو حطها فيها! فتكون تلك الخسارة على العامل، والعامل لا يضمن شيئاً ما لم يتعد، فإذا تعدى في رأس المال أو فرط في حفظه فهو ضامن، وإذا لم يتعد ولم يفرط، وعمل عملاً عادياً، وكانت الخسارة بحسب حركة الأسواق فلا يضمن؛ ولهذا يقول الفقهاء: إن زيادة ونقصان السعر في الأسواق لا عبرة بها شرعاً.
فهذا العامل الذي هو أحد الشريكين في المضاربة لا يتحمل من الخسارة شيئاً ما لم يفرط أو يتعدى.
وفي نهاية مدة العقد إذا أراد صاحب المال أن يصفي الشركة أو أن يتحاسب ويعرف حصيلته؛ فعلى العامل أن ينضد التجارة، بأن يصفيها نقداً حتى يعرف صاحب المال قدر الربح أو الخسارة، وينبه مالك هنا على ناحية خطيرة جداً، وهي أنه لا يجوز أبداً أن يأتي صاحب رأس المال للعامل ويقول: نحن الآن في آخر السنة فما النتيجة؟ قال: أبشر، فيه خير كثير، والربح عشرون في المائة، فيقول صاحب المال: إذاً: جددنا العقد، فـ مالك يقول: لا يصح هذا أبداً، بل لا بد للعامل أن ينضد التجارة، ويحضر رأس المال والربح، ثم يقول لصاحب رأس المال: هذا الربح بيني وبينك، ثم إن شاءا بعد ذلك جددا عقداً ثانياً أو اقتصرا على ذلك الربح.
ولماذا لا يكتفي مالك بقول العامل لصحاب رأس المال: الربح كذا؟ لأنه يخشى أن تكون المسألة بالعكس، والخسارة عشرون في المائة، والعامل يغطي هذا على صاحب رأس المال من أجل أن يجدد عقداً آخر؛ ليعمل ويعوض، فيكون فيه نوع من الربا أو نوع من إكراه العامل على تحمل خسارة موجودة، فلا بد أن يأتي برأس المال، ويخبر صاحب رأس المال بالموجود، فيعلم هل ربحت تجارته أو خسرت، ثم بعد ذلك إن شاء عقد معه مضاربة جديدة، فهذا القسم الثالث هو شركة المضاربة.