شدد النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من فتنة المسيح الدجال وقال:(إن ظهر فيكم وأنا بينكم فأنا حجيجه، وإن يظهر وأنا لست فيكم؛ فامرؤ حجيج نفسه) وبيّن صلى الله عليه وسلم أنه: (مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤها كل مؤمن) ، وبأي لغة أو بأي حروف أو بأي مداد تكتب؟ الغ العقل هنا، وصدق الخبر، فسوف تراها في جبينه، وكيف كتبت وكيف رضي بذلك؟ هذا رغماً عنه.
إذاً: فتنته بينها صلى الله عليه وسلم، وقضية تميم الداري مشهورة، حينما نزل بالسفينة وانكسرت بهم وجاء إلى جزيرة ورأى ورأى إلى آخره، وكتب الحديث والفتن والملاحم مليئة بأخباره، وفتنته: أن يأتي والناس في محل وشدة فيقول: يا سماء! أمطري فتمطر، يا أرض! أنبتي فتنبت، يا زرع! استوي فيستوي اطحنوا كلوا، في موقف واحد: تمطر السماء وتنبت الأرض ويطحنون ويأكلون، ويقول: أنا إلاهكم، أنا ربكم ها قد فعلت، أما المؤمن فيقول: لا، إنك كافر، قد أخبرنا بذلك رسول الله، وأما الكافر فلا يدري، ويقول: نعم، إنك كذلك؛ لأنك فعلت وفعلت، ثم يأتي بمسلم ويشقه نصفين بالسيف، ويمشي بين شقيه، ثم يقول له: قم، فيقوم ملتحم الشقين إنساناً سوياً، ويقول: أنا ربكم أُحيي وأميت، فالكافر يفتن به -عياذاً بالله- والمؤمن يقول: لا، قد أخبرنا بذلك رسول الله ولا يفتن به، ولأن المسألة تتعلق بلقمة العيش وبالحياة والموت كانت الفتنة به خطيرة، وتخشى على كثير من الناس، ومن هنا من يستطيع أن يدفع تلك الفتنة؟ إنه الله، فكانت الاستعاذة من المسيح الدجال بالله سبحانه وتعالى؛ لأنها فوق مستوى العقل، وفوق قدرة البشر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذنا جميعاً من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن كل فتنة تقع بالناس، والله تعالى أعلم.
قال رحمه الله: [وفي رواية لـ مسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير) ] .
تقدمت فائدة هذه الزيادة، وبأن موضع الاستعاذة يكون بعد الفراغ من التشهد الأخير، وقبل سؤال الله ما أعجبه.
ومن الناحية الفقهية: يرى بعض العلماء كالظاهرية: بأن الاستعاذة من هذه الأربع واجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا فرغ فليقل أو فليستعذ) ، وهذه صيغة أمر، وصيغة الأمر تقتضي الوجوب، ولكن الجمهور على أنها ليست على الوجوب، ولكنها للتعليم والإرشاد؛ فهي للندب، وأعتقد أن العاقل لا ينبغي له أن يتركها إذا علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إليها، وبيّن لنا صلى الله عليه وسلم أنسب وقت لها، وهو: إذا فرغ من التشهد؛ فكيف يتركها الإنسان؟ وهل أمن على نفسه؟ لا والله، إذاً: لا ينبغي له أن يتركها.