[اشتراط عدم الإفساد عند إنفاق الزوجة من بيت زوجها]
إذاً: حينما يتصدق الإنسان مع قلة الشيء يعظم الأجر.
هنا بيَّن صلى الله عليه وسلم أن (المرأة إذا أنفقت من طعام زوجها غير مفسدة فلها أجر) ، وغير مفسدة: يعني أنها مراعية لظروف العائلة، وظروف البيت، وظروف الأسرة، وظروف الأفراد، فإن كانوا على شاكلة من عجب ربنا منهم، فالحمد لله، وإلا فتراعي الظروف، ولا ينبغي أن تضيع من تعول، وفي الحديث أن: (امرأة قالت: هل للمرأة أن تتصدق من مال زوجها؟ قال: لا، إلا بإذنه، قالت: ولو من طعامه؟ قال: الطعام أعز مالنا) ؛ لأن الطعام هو القوت، وبه الحياة، ولذا يقول العلماء: إذا أرادت المرأة أن تتصدق من مال زوجها، فلابد من إذنه، وأطال العلماء البحث في ذلك كـ ابن حجر في فتح الباري، ويدور البحث على قوله: (غير مفسدة) .
فإذا أذن لها إذناً فعلياً فلا مانع من أن تعطي المسكين، أو أذن لها إذناً اعتبارياً، بأن علمت من زوجها أنها إذا أعطت السائل تمرات أو قرص خبز أو شيئاً من الإدام فإنه لا يغضب، لأن ذلك لا يضره ولا يضر عياله، فهذا إذنٌ اعتباري فلا مانع، وتقدمت لنا قصتان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، الأولى: أنها كانت تأكل من قطف عنب، وأعطت السائلة حبة، وما استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، والثانية: أن امرأة جاءت تحمل طفلتين، فأعطتها تمرة، وما استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وكذلك شاةٌ ذبحوها فوزعت وبقي ذراعها، فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد بقيت كلها إلا الذراع!!) فالذي بقي هو الذي ضاع، ولكن الذي تصدق به فهو الباقي عند الله.
إذاً: إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها بطيب نفسها، غير مفسدة على أهل بيتها طعامهم ومعاشهم، بإذن زوجها الاعتباري أو الحقيقي؛ فلا مانع من ذلك.
ومما يوضح قوله (غير مفسدة) حديث هند، لما قالت: (إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، لا يعطيني ما يكفيني أنا وعيالي، هل آخذ من ماله ما يكفيني وعيالي؟ فقال: خذي ما يكفيك بالمعروف) ، أي: لأن النفقة واجبة لكِ ولعيالكِ، ولكن بالمعروف، لا تأخذي هذا الإذن وتفسدي، فتصنعين طعاماً يكفي عشرين وأنتم خمسة، ثم يرمي الباقي أو يفسد، هذا هو الإفساد، بل خذي بقدر ما يكفيكِ بالإحسان وبالمعروف.
وهكذا بين صلى الله عليه وسلم، أن هذه المرأة لها من الأجر مثل ما لزوجها، وفي الحديث الآخر الصريح: (إن الله يدخل باللقمة ثلاثةً الجنة: صاحب الطعام، وطاهيه، ومناوله) ، صاحب الطعام هو صاحب البيت -رب البيت- وطاهيه سواء كانت الزوجة، أو كان الخادم، أو الطباخ في البيت، أو غيره، والخادم الذي يناوله، فإذا كان الطاهي، أو الزوجة، أو الخادم؛ يقدم ذلك بطيب نفسٍ لا مكرهاً، ولا مجاملة، ولا إلزاماً عليه، ولا كراهية لرب البيت، بأن يخرج الطعام باسم الصدقة، وهو يريد أن يؤذيه أو يضيق عليه أو يفسد عليه ماله، بل يؤجر إذا كان يفعل ذلك طواعيةً، وفي حديث آخر (والخازن) ، وهو الذي يكون على المخازن، يخرج من المخزن الدقيق ليعجن ويخبز، أو يخرج السمن ليطهى به، فيعطي المسكين من هذا الطعام، فإن للخازن مثل أجر المالك، فيكون لصاحب المال، وللطاهي، وللخادم وللخازن أجرٌ متعادل سواء بسواء.
إذاً: العبرة ليست بالكثرة، ولكنها بما وقر في النفس من طيبها، وحب المسكين والإشفاق عليه والرحمة به، والله تعالى أعلم.
قال عليه الصلاة والسلام: (كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخادم مثل ذلك؛ لا ينقص بعضهم من أجر بعضٍ شيئاً) .
فلو كان الحساب أن الحسنة بعشر أمثالها، فنقول: نقسمها على الأربعة وكل واحد له حسنتان ونصف، لكن الرسول يخبر أن كل واحد له عشر حسنات، ولا ينقص واحدٌ من أجر صاحبه شيئاً، فتكون الحسنة لهم بأربعين حسنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: جاءت زينب امرأة ابن مسعود فقالت: (يا رسول الله! إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حليٌّ لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من أتصدق به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود؛ زوجك وولدك أحقُ من تصدقتِ به عليهم) رواه البخاري] .