[الرد على من لم يشترط المدة في المسح]
قال: [وعن عمر رضي الله عنه موقوفاً، وعن أنس مرفوعاً: (إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما، وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة) أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه] .
هذا الحديث من أدلة مالك رحمه الله، عمر يقول موقوفاً عليه، وأنس يرفع القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الخبر جاء موقوفاً عن عمر، وجاء مرفوعاً من طريق أنس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه توقيتاً، (إذا تطهر أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما، ولا ينزعهما إلا من جنابة) إلى متى شاء، فهذا الحديث موقوف على عمر رضي الله تعالى عنه، ومرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر التوقيت فيه، ويقال: إن تصحيح الحاكم في هذا الحديث ملاحظ عليه، وأنه لم يثبت عن أنس، كما يقال: إن عمر رجع عن هذا القول، وصار يقول بالتوقيت، ولكن الذي يهمنا هو وجود هذا الأثر، سواء كان موقوفاً على عمر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ، أو كان مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كما تقدم فقد رواه الدارقطني فقط، أما هناك فقد رواه أبو داود والنسائي، ورواه الأربعة، ورواه فلان وفلان فتلك أحاديث متعددة، وبروايات متعددة، وبأسانيد أقوى وأثبت من مجرد رواية الدارقطني، وعلى هذا -كما قال والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه-: إذا لم يمكن الجمع فيصار إلى الترجيح، وأحاديث التوقيت أرجح سنداً، وأكثر قائلاً، وخروجاً من العهدة بالاحتياط في الدين.
لأن من مسح بصفة دائمة ولم يأخذ بالتوقيت، بينما الآخر آخذ بالتوقيت، فلو جئنا عند مناقشة المسألة فهل أحد يختلف في صحة صلاة الذي أخذ بالتوقيت؟ لا.
فالكل مجمع على صحتها.
لكن من أخذوا بالتوقيت هل يصححون صلاة من لم يأخذ بالتوقيت؟ لا.
إذاً: صلاته غير صحيحة ومختلف فيها عند الآخرين، والواجب على الإنسان أن يترك المختلف فيه، وأقل ما فيه: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) .
قال: [وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما) أخرجه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة] .
يروي هذا الحديث أيضاً الدارقطني، ولكن صححه ابن خزيمة مضافاً إلى الدارقطني في أن أبا بكرة ينقل نفس الأثر، ولكن بالتوقيت، (ثلاثة أيام ولياليهن) و (يوماً وليلة) .
بالمناسبة: (أبو بكرة) بتسكين الكاف وبفتحها، فـ (البَكْرة) هي الناقة في أوائل شبابها، و (البَكَرة) هي الآلة التي يوضع عليها حبل الدلو لسحب الماء، واختلفوا في تسمية أبي بكرة، هل الصحيح (بكْرة) أم (بكَرة) ؟ وهذا الاختلاف حصل؛ لأنه كان من أهل الطائف، ولما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف تدلى من سورها على بكرة، قالوا: جاء ببكَرة وحبل وربطها في السور ونزل بها إلى المسلمين، وقيل: نزل من على السور على ظهر بكرة كانت واقفة عند السور من الخارج، فكان الاختلاف في هذا اللفظ بسبب الاختلاف في صورة نزوله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: [وعن أبيّ بن عمارة رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم.
قال: يوماً؟ قال: نعم.
قال: ويومين؟ قال: نعم.
قال: وثلاثة أيام؟ قال: نعم، وما شئت) أخرجه أبو داود وقال: ليس بالقوي] .
وهنا مربط الناقة! قال: (أمسح يوماً؟ قال: نعم.
قال: ويومين؟ قال: نعم.
قال: وثلاثة أيام؟ قال: نعم، وما شئت) .
من أخرج هذا الحديث؟ أبو داود، وهو ناقد، فماذا قال عنه؟ ليس بالقوي.
فهل يا ترى نبني صلاتنا على ما ليس بالقوي، وأن نمسح ما شئنا بدون تحديد، مع أن الأصل ليس بقوي، أم نرجع للأصل القوي الذي صححه العلماء وهو التوقيت؟ بعض العلماء يناقش المسألة بصورة عامة، فقوله: (نعم، وما شئت) ، يقولون: هذا من باب التأكيد على الترخيص، وكما قال ابن قدامة: وما شئت بالتزام التوقيت، وهذا كلام لطيف، وقالوا: (نعم، وما شئت) نظيره: (الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنوات) ، فهل هناك من يعيش بغير ماء عشر سنوات؟ ماذا سيشرب أو يأكل؟ قالوا: هذا من باب تأكيد الترخيص؛ لأن التيمم طهارة ثابتة، ولو يستمر على ذلك عشر سنوات.
إذاً: قوله: (نعم، وما شئت) تأكيد للمسح بالأيام العديدة، وفي نظري لا يخلو الأمر من أحد أمرين؛ إما الرجوع إلى الترجيح كما قاله والدنا الشيخ الأمين: ووجدنا أحاديث التوقيت أرجح سنداً، وأكثر قائلاً، وخروجاً من العهدة، واحتياطاً للصلاة، وبراءة للذمة، بخلاف القول بعدم التوقيت.
أو كما قال ابن قدامة رحمه الله، وقوله وجيه، (نعم، ما شئت) ، سنة سنتين امسح، ولكن هناك نقطة فهل نقول: (وما شئت) حتى لو كانت جنابة، أم أنه عند الجنابة سيخلع الخف؟ نقول: يوم يومان ثلاثة عشرة فهل يأخذ برخصة (نعم، وما شئت) على الإطلاق؟ يعني: إذا سافر ومسح على الخف في الصباح وأجنب في الظهر، فهل نقول له: وما شئت، أم يخلع؟ نقول: يخلع.
إذاًَ: إذا كانت الجنابة ستجعله يخلع، فنقول: مضي التوقيت أيضاً يجعله يخلع.