للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن الخطبة على خطبة الغير]

قال: (ولا يخطب على خطبة أخيه) .

الخُطبة: هي الخطبة على المنابر، وفي النوادي، وفي الحفلات، والخِطبة: هي خطبة الرجل للمرأة، فإذا خطب إنسان امرأة أو فتاة، فلا يخلو الحال من أحد أمرين: إما أنه مجرد استفهام، وقد يكونون قبلوا خطبته أو لم يقبلوا، وإما أن يكونوا قد قبلوا ولم يبق إلا المفاهمة في الحواشي والتنفيذ، فإن كانت الخطبة مجرد حديث، ولم يستجب أهل المرأة إليهم، وفهم من حالهم أنهم رفضوا، وقد يكون الرفض بلطف، فيعتذروا بقولهم: هي تريد أن تتعلم إلى أن تكمل تعليمها، مع أنها في الحقيقة راسبة، ومهيأة للزواج، ولكنهم ردوه بلطف، وهذا من الآداب الاجتماعية، فعلم أنهم غير راغبين، فهنا لا مانع من أن يتقدم شخص آخر بالخطبة، أما إذا كانوا في مرحلة المفاهمة، ولم يظهر من أهل المرأة رفض ولا قبول، فليبق وليكف، فإذا ظهر من أهل المرأة القبول حرم التقدم، وإذا ظهر منهم النفي فلا مانع من التقدم.

وإذا علم بأن أهل المرأة قد قبللوا الخاطب، ولكنهم ما زالوا في بحث موضوع الجهاز، كالفراش وصفته، والتعنتات التي أرهقت الناس، وهذا كثير، وهذا قليل.

إلخ، فالمبدأ الأساسي هو القبول بهذا الخاطب، ولكن ما زالوا في بحث الحواشي، والتعليقات، والهوامش، فإذا تقدم إنسان آخر ورأى أهل العروس فرقاً بعيداً بينه وبين الأول، فالأول إنسان مسكين يعمل بأجر يومي، ويسكن في بيت شعبي، وجاء هذا وعنده عمارة، وسيارة، ومال كثير، فقالوا: والله لا نضيع بنتنا عند هذا، ولا نفوّت هذا، فهذا أحسن لنا، وسيرفضون الأول الذي رضوا به ابتداءً لعدم ظهور هذا، فيأتي هذا دون مبال بشعور أخيه، ودون مبال بحاجته، ودون مبال بكرامته، وعلاقته وأخوته، فكأنه أهدر حق أخيه بالكلية، فقبلوه وزوجوه.

والجمهور: على أنه إذا رفع ذلك إلى الحاكم فإنه يبطل العقد الثاني، ويمنع زواج الثاني منها؛ لأنه بُني على باطل، وهو خطبته على خطبة أخيه.

والجمهور -ما عدا مالك - يقولون: يفسخ العقد ولو دخل بها، ومالك يقول: إذا فات الأمر ودخل بها فلا يُفسخ؛ لأنه بالدخول بها دخلت حقوق أخرى جانبية، فقد تكون حاملاً، وإذا قلنا بالفسخ فستشتت الولد، ويفرق بينه وبين أمه، وبينه وبين أبيه، وتكون هناك أشياء مترتبة على ذلك، كالعدة، والنفقة، وأشياء كثيرة، فلذلك لا يفسخ العقد، بل يستمر، ويلحق ذلك المتعدي الإثم.

أما الأئمة الثلاثة رحمهم الله فيقولون: حتى لو دخل بها فإنه يفسخ العقد، وإن حملت فالولد لأبيه، ويلحق به؛ لأن الزواج كان بعقد -وإن كان الواجب عدم إيقاع هذا العقد- استوفى شروط صحة العقد، وبه استباح المرأة.

إذاً: لا يجوز أن يخطب على خطبة أخيه، وجاء في بعض الروايات: (حتى يدعوا أو يقبلوا) أي: حتى يتركوا، أو يتموا فيما بينهم.

يقول بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص:٢٣-٢٤]-من باب تلطيف الموضوع على أن عنصر المرأة موجود- قالوا: نبي الله داود خطب على خطبة رجل آخر فزوجوه، وقال الآخرون: إن الخطبة على خطبة أخيه لم تكن ممنوعة عندهم كما هي ممنوعة عندنا، والله أعلم بذلك.