قال المؤلف رحمه الله: [وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام: ثلاث عشر، وأربع عشر، وخمس عشر) ، رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان.
حديث صيام ثلاثة أيام من كل شهر، جاءت فيه زيادة في حديث أبي هريرة بتعيين الأيام، وهي الثالث والرابع والخامس عشر من كل شهر، يعني: الأيام التي يكون القمر مكتملاً ضوءه فيها والناس مختلفون في ذلك، فـ مالك يرى أن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة فيقول: يجعل عن كل عشرة أيام من الشهر يوماً، فيأخذ يوم واحد ويوم أحد عشر، ويوم واحد وعشرين، ففي كل عشرة أيام يصوم يوماً، وغيره يقول: يصوم ثلاثة أيام بدون تحديد كما في رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، لكن هنا جاء التحديد بثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، وأما حول التعيين في هذه الأيام بالذات، فقد تقدم لنا في الحجامة أنهم يستحبونها بالنسبة لجزء النهار في الظهر، وبالنسبة لأيام الأسبوع يوم الأربعاء، وبالنسبة لأيام الشهر الخامس والسابع والتاسع عشر، وقالوا: إن الحجامة يوم الخامس والسابع والتاسع عشر أحسن، ويكرهونها في الخمسة الأوائل من الشهر والخمسة الأواخر منه، ويستحبونها من نصفه وما بعد، هكذا يقولون، والأطباء وأهل الطب النبوي والطب العربي يعللون استحباب الحجامة في منتصف الشهر فما بعد ويقولون: حينما يكتمل ضوء القمر يكون في الدم هيجان، فإذا جاءت الحجامة أخذت هيجان الدم هذا، وبعض المتأخرين يقولون: إن عملية المد والجزر في البحار مرتبطة باكتمال ضوء القمر، ويقولون: إن جسم الإنسان -كالبحر- مليء بالدم فإذا اكتمل ضوء القمر هاج الدم كما يهيج البحر بالمد والجزر، فيقولون: جاءت السنة بحكمة وهي: أن الصوم من طبيعته أن يكسر حدة الشهوة، وأن يخفف من حركة الدم في الجسم، فإذا ما صام تلك الأيام التي فيها هيجان الدم نقص الغذاء على الدم، وإذا نقص الغذاء على الدم خفت حدته ولم يكن فيه إثارة على الإنسان كما لو اكتمل طعامه وشرابه في تلك الأيام، والله تعالى أعلم.