لعظم مكانة الأمانة قالوا: إنها تستحب، وقد تجب إذا علم المودع أنه إذا لم يقبلها ضاعت، وهو أمين عليها، أما إذا وجد من يستقبلها غيره، أو رأى من نفسه الضعف، فخشي أن يفرط فيها إما بضياع، أو طمع فيها بأن تضعف نفسه أمامها؛ فلا يحق له أن يقبلها.
إذاً: الوديعة أمانة، والوديعة: مال الغير يحفظه غيره، ويكون أميناً في ذلك.
والحديث يتكلم عن جانب واحد من جوانب الوديعة: بأن المضمَّن لا يضمن؛ لأن يده عليها يد أمانة، والأمين لا يضمن، ولأنه أمسكها لحظ صاحبها لا لحظ نفسه، فهو غير متهم.
وهناك جوانب أخرى متعددة في الوديعة، وابن قدامة رحمه الله أورد في المغني في مباحثها ما يقارب من خمس وثلاثين صفحة، كلها تدور حول تحقيق المناط في الضمانة، والضمان، وعدم الضمان، والأصل في ذلك: أن المودع لا يضمن ما لم يأتِ موجب الضمان: من تفريط أو تعدٍ، وسبق أن قلنا: إن موجبات الضمان في القوانين الوضعية وفي الأحكام الشرعية أحد الأمرين: التفريط أو التعدي، والفرق بين القتل الخطأ والعمد: أن الخطأ بسبب التفريط، والعمد بسبب التعدي العامد والعدوان، وهكذا كل من فرط في حق الغير ضمن، وكل من تعدى على حق الغير ضمن؛ لأنه فعل ما ليس له أن يفعله، فعلى الإنسان أن يحرص، وأن يأتي بالعمل على وجهه الكامل.