وقوله:(أهل) أي: رفع صوته مهلاً بنسكه، والإهلال: مأخوذ من التهليل وهو رفع الصوت، والتهليل مأخوذ من الهلال، يقول أهل اللغة: إن أسماء المعاني مأخوذة ابتداءً من أسماء الذوات، أي: المحسوسات، فالاسم يوضع أولاً للذات المحسوسة، ثم ينقل منها إلى المعنوي، كما تقول: أذن الآذن بكذا، وفلان مأذون بكذا، فإن أصل مادة (أذن) هي الأذن؛ لأنها يلقى فيها الأمر الذي أُذن فيه للسامع بما أُذن، فكذلك الإهلال، فقد كانوا إذا رأوا هلال الشهر رفعوا أصواتهم بالتهليل، أي: إعلاناً برؤية الهلال لهذا الشهر، ثم انتقل الاستعمال لكلمة الإهلال والتهليل لكل صوت مرتفع، ولهذا يقال للصبي عند ولادته: أهلّ باكياً، إذا استهل صارخاً ثبتت حياته وثبت ميراثه ولو مات بعدها بلحظة.
وعلى هذا فقوله:(أهلّ النبي من عند المسجد) أي: رفع صوته بالتهليل بالنسك الذي أراده، وهنا يقول العلماء: إن عقد النية لجميع أعمال العبادات يكون سراً في القلب إلا في أحد النسكين، فله الحق في أن يتلفظ به رافعاً صوته: لبيك اللهم عمرة، أو لبيك اللهم حجاً، أو لبيك اللهم عمرة وحجاً، وما عدا ذلك من صيام وصلاة وزكاة وغير ذلك فلا يرفع فيها صوته ولا يتكلم بالنية إلا بقدر ما يسمع به نفسه توكيداً لما انعقد عليه القلب.