وقد كان رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يبيع ويشتري، لكنه أحمق، لا يحسن تقدير السلعة، فإن وجد سلعة في يد إنسان وأعجبته سأل: بكم هذه السلعة؟ ثم يأخذها على كلام صاحبها، وإن كانت في يده سلعة ويريد بيعها، فأتى من يريد شراءها، باعها له على ما أراد، فيكون -أي: المشتري- قد زاد في سعر السلعة بحسب كلام البائع (٣٠%) ، وقد يكون أنقص من قيمة ما في يده بحسب كلام المشتري (٣٠%) ، أو (٤٠%) ، فتضرر أهله بذلك، فقالوا: يا رسول الله! امنع حبان بن منقد من البيع والشراء؛ لأنه أتلف علينا أموالنا، يشتري بسعر زائد، ويبيع السلعة بثمن ناقص، ويخسرنا فيها، فقال له صلى الله عليه وسلم (دع البيع والشراء) ، فقال: يا رسول الله! لا أستطيع أن أدع البيع والشراء، فقال له صلى الله عليه وسلم:(إذا بعت أو اشتريت فقل: لا خلابة) ، والخلابة: النقص، فكان حبان بن منقد -بعد هذا- إذا تبايع مع إنسان أو اشترى منه قال: لا خلابة، فإذا علم أهله بالمبيع أو المشترى ووجدوا الغبن فاحشاً، رجعوا إلى صاحبه وأبطلوا البيع؛ لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم اعتبر حالته العقلية وجعل حق نقض البيع وإمضائه لأهله؛ لأنهم هم الذين يتحملون الغرم.
وهل يجوز لإنسان أن يقول عندما يشتري: لا خلابة؟ إن كانت حالته كحالة ابن منقذ فيجوز ذلك، أما إذا لم يكن كذلك، كأن كان حاذقاً، وإنما زادوا عليه في ذلك، فإن هذا يرجع إلى باب آخر، وهو: هل كان الغبن فاحشاً أم لا؟ إذاً: كل ما يكون من التحايل، على زيادة أو نقص السعر في السلعة في السوق في المزاد العلني فهو باطل، والمشتري أو البائع إذا ظهر له التحايل عليه فله الحق في فسخ البيع، أما سلع المحلات والدكاكين، فإذا جاء الزبون وقال لصاحب الدكان: بكم هذه السلعة؟ فقال: بخمسة، فاشتراها، ثم جاء الثاني وقال: بكم؟ فقال: بخمسة، فقال: أريدها بأربعة ونصف، فقال: لا بأس خذها، ثم جاء الثالث وقال: بكم؟ فقال: بخمسة، فقال: أريدها بخمسة إلا ربع، فلا بأس بهذا.
وهذا التفاوت لا بد منه؛ لأن طبيعة الناس المساومة، وإن كان السعر محدداً فلا مانع، ويستريح الذكي والبليد، ولكن إذا كانت هناك مساومة، وحدث هناك شيء من الغبن اليسير، فإن عادة الناس التسامح في المماكسة، والزيادة، أو الغبن الخفيف، الذي لا يؤثر على النفس، أو على المال، أما في حالة الغبن الفاحش، كأن تكون السلعة بخمسة، فيبيعها بخمسين، فهذا غبن فاحش، ولمن وقع عليه الغبن الحق في رد السلعة؛ للغبن الفاحش الذي وقع عليه.